فتح من الفكرة إلى الانطلاقة








فتح من الفكرة إلى الانطلاقة










صالح عوض عوض


أي علاقات؟

أي سياسات وخيارات؟

أي علامات ومحاذير؟

أي حلفاء وأصدقاء.. ؟

من تبلور الفكرة نحو الانطلاقة سنوات التبلور والوضوح وإرساء القيم والأفكار وتحديد الخيارات..

لقد التقت أرواح ذلك الجيل المتميز الطليعي على فكرة اخذ زمام المبادرة بيد فلسطينية لاستعادة فلسطين وتدمير الكيان الصهيوني وإطلاق ثورة فلسطينية لا قضية لها إلا التحرير و في سبيل ذلك لابد من تجنيد كل الوسائل الملائمة.

ومنذ البداية كان الهدف السياسي ناضجا لدى قادة فتح كما قال ياسر عرفات لأبوالاديب في لقائه الأول به في القاهرة إنني أريد أن احيي حكومة عموم فلسطين.. فكان لقاؤه بعدها بابي إياد الطالب في جامعة الأزهر والخطيب المفوه والمثقف الموسوعي والنبيه العبقري هو اللقاء التأسيسي الخاص بين رجلين ظلا متكاملين حتى اللحظات الأخيرة.. كان أبو إياد حينها هو الأكثر إثارة بين مجموعة من الطلبة الإسلاميين الذين التحقوا بالجامعات المصرية من غزة وكانوا جميعا يلتفون حوله ويثقون به.
كانت المواجهة فكرة وممارسة ضد الاستعمار والصهاينة في حد ذاتها هدفا مباشرا للصف الأول فكان عرفات مقاتلا في قناة السويس ضد الاستعمار البريطاني وقام بوساطة بين عبد الناصر والإخوان المسلمين في مصر لكي يتسنى لهم دخول الحرب كفدائيين ضد القواعد البريطانية.. وذلك قبل أن يصدر عبد الناصر قرارا بطرد ياسر عرفات في سنة 1957 من مصر.. كما كان أبو جهاد دوما مسخرا لجمع السلاح والتدريب والقتال حيث كان أبو جهاد منذ البداية هو زعيم خيار الكفاح المسلح وحاميه والداعي له ..

كانت المجموعة الأولى في رابطة طلاب فلسطين بقيادة ياسر عرفات تستقبل وفد طلاب الجزائر في لحظة تشكيله الأول كاتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين في القاهرة وتضع قاعاتها تحت تصرف الإخوة الطلبة الجزائريين ويتبرع ياسر عرفات يومذاك بخمسمئة جنيه مصري باسم اتحاد طلبة فلسطين لاتحاد طلاب الجزائر الوليد في 1955 كما ذكر لي المجاهد الجزائري المرحوم عبد القادر نور أول رئيس تحرير للإذاعة الجزائرية..
وعندما انتقل ياسر عرفات إلى الكويت شكلت فتح لجان لجمع التبرعات للثورة الجزائرية واقتربت من روحها واعتبرتها توأمها واستلهمت منها عنفوان المقاومة وكثيرا من الأفكار لاسيما التركيز على هدف التحرير والابتعاد عن التشتت الإيديولوجي في مرحلة التحرير.. تجمع معظم قادة حركة فتح في ثلاث مناطق السعودية وقطر والكويت.

في 1965 كانت الفكرة قد اكتملت ورسخت حجتها ومنطقها في صدور حملتها وكان رجالها هم مصدر تمويلها بتبرعاتهم الشهرية الملزمة وأصبحت في غاية النضج والوعي وكان لابد من التحرك للاستفادة من المتغيرات في المنطقة لاسيما انتصار الثور ة الجزائرية وقد طرأ وضع سياسي جديد عندما قررت جامعة الدول العربية إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في 1964 لم يكن خافيا على رجال الفتح أن هذا المشروع يحمل موته في فكرته فهو من جهة تخلي عربي عن فلسطين ومن جهة أخرى هو مشروع سيكون مرجعيته في أدراج المخابرات العربية..

وكانت زيارة أبو عمار ثم ابوجهاد إلى الجزائر قبل 1965 والتقائهما بقادة الثورة والدولة احمد بن بلة وهواري ببومدين والطاهر الزبيري فرصة الانطلاق الحقيقية عندما طلب هواري بومدين من قادة فتح إطلاق الطلقة الأولى وكل ما يلزم سيكون جاهزا في الجزائر.. كانت فتح قد حسمت أمرها نحو العمل العسكري الخيار الذي كان يتزعمه أبو عمار وأبو جهاد وأبو إياد وابويوسف وكمال عدوان وعبدالفتاح الحمود وأبو مازن.. في هذه المرحلة اتصلت قيادة فتح بكل ما من شانه أن يكون عونا للثورة وفتحت قنوات اتصال مع قيادات فلسطينية وشخصيات محترمة كجورج حبش الذي ابدي تأييدا كبيرا لانطلاق العمل الفدائي الفلسطيني.

انطلقت فتح بعملية جناحها العسكري العاصفة في عملية عيلبون وأصدرت بيانها في الفاتح من يناير 1965 فكان الجزائريون عند وعدهم بأنهم تدخلوا لدى السوريين لفتح معسكرات تدريب لفتح في سورية وان يتم تحويل سلاح الثورة الجزائرية المخزن في سورية إلى فتح.. وفي الجزائر منحت هيئة الأركان الجزائرية مقرا لفتح كما أنها يسرت التحاق شباب من تنظيم فتح بالكليات العسكرية.
لم يبلغ أعضاء خلايا فتح في الأردن وفلسطين ولبنان وسورية أكثر من مئة عنصر وهناك روايات عدة حول العدد ولكن كل واحد منهم كان تنظيما بنفسه وعيا وفهما وإقداما وإدارة..
انطلقت فتح لتصبح مطاردة لكثير من الجهات العربية الرسمية ولم يخل الوقت من مشاحنات مع أنظمة الطوق التي استنفرت في محاولة لوضع حد لانتشار فكرتها واثارها أو لجعلها في الدرج حسب جهاز مخابراتها.
من 1965 الى 1967 كان الإعداد على قاعدة البيان الأول والتدريب والاقتراب أكثر من نشر الفكرة والتجذر في الأرض بعد أن أصبحت فتح كلمة السر الفلسطينية الساحرة.. لم تكن فتح موهومة بالدعاية الرسمية العربية حول تحرير فلسطين وكانت منذ البداية مصممة على تحرير القرار الفلسطيني من النظام العربي والتحرك نحو المواجهة الشاملة مع العدو المستعمر بغض النظر عن حسابات النظام العربي ومشاريعه.
سقط النظام العربي الناصري والبعثي في الهزيمة النكبة 1967 كان سقوطه يعني بوضوح سقوط منهج ومنظومة أفكار وإدارة ووعي لطبيعة الصراع ومواجهته.. سقط النظام العربي سقوطا ذريعا مخلفا نكبة لاتقل عن نكبة1948..
في الحلقة القادمة نواصل من لحظة نكبة النظام العربي وانطلاقة حركة فتح الثانية مباشرة بعد حزيران 1967.حتى مجازر ايلول 1970



----

إرسال تعليق

0 تعليقات