آخر الأخبار

الرجل الذى باع عمره فداء لوطنه

  


 

محمود جابر

 

التاريخ لا يخلد إلا العظماء والرجال ويلقى بأشباه الرجال فى سلة المهملات وفى زاوية النسيان، أما العظماء فتبقى سيرتهم محفورة فى القلوب والعقول وتصبح سيرتهم أسطورة شعبية مع مر الزمان .......

 

بيد أن هناك صنف من الناس متسولين على أبواب التاريخ فينتحلون منه جزء أملا فى ان يصنعوا لأنفسهم ذكرا عند السلطان او يقدموا مبررا لانحراف السلطة، من خلال منحولات التاريخ الزائفة ........

 

وفقا لهذه المعادلة قرأت مقال " محسن عبد العزيز " الصحفى بالأهرام والمعنون بـ الرجل الذى باع ذهب مصر..........

 



متحدثا عن تكليف على نجم لبيع ذهب مصر فى عملية سرية معقدة لشراء القمح لمصر، وكان يمكن ان يكون المقال موضوعيا الا انه ختم مقاله بضربة فى ظهر جمال عبد الناصر فى خسة وجرأة وتبريرا فكتب : وهذا هو الفرق بين الحكومة الديمقراطية التى تكون مسئولة أمام البرلمان والشعب، والحكم الفردى الذى لا يكون فيه الحاكم مسئولا أمام أى أحد. سواء كان على خطأ أم على صواب. لكن بعد أن يموت، تحيا الحكايات والقصص وتصبح زادا للشعب، حتى يأتى حاكم جديد بحكايات جديدة تكون زاده للحياة والمستقبل بدلا من العمل الجاد ومحاربة الفساد والخرافة والجهل.

 

وبكل تأكيد فموضوع بيع ذهب مصر كان مادة غنية لطعن جمال عبد الناصر مرة من خلال انه باع ذهب مصر فى حرب اليمن ومرة انه باعه بقرار منه دون الرجوع كما يقول الشعب !!

 



ولم بفوت الكاتب الفرصة حتى يشير ان سيده الجديد كان ديمقراطيا يحارب الفساد والخرافة والجهل !!

 

أما حكاية ذهب مصر فهى على النحو التالى :

 

ننشر لكم من واقع المستندات والوثائق تفاصيل وحقائق «خرافة» ضياع مخزون مصر من الذهب في حرب اليمن ، تلك الشائعة التي أطلقها نظام «فيصل» السعودي ، ورددها ترويجا ودعاية جماعة الإخوان ، وحلفائهم فى السلطة دون وعي بحقيقة الأمر ، وتفاصيله ، المتاحة لكل باحث يبحث عن الحقائق ، كجزء عزيز من تاريخ مصرنا الغالية ، التي نأبي أن تضيع مواقف عزها وفخرها وسط شائعات وأكاذيب وخرافات ، أطلقها الأعداء ويرددها الجهلاء.

 

إن الولايات المتحدة الأمريكية _ للذين يتعمدون الفقدان المؤقت للذاكرة _ كانت قد قررت عام 1963 تجويع الشعب المصري ، بعد دخول مصر لليمن تأميناً لباب المندب ، وارتفاع معدلات النمو ، والمؤشرات الإيجابية للخطة الخمسية الأولي ، فمنعت شحنات القمح عنه ، ولم يجد الرئيس الأمريكي في منتصف الستينات ليندون جونسون ـ الذي كان يوصف بأنه كان شخصية من أعقد الشخصيات التي دخلت وعاشت في البيت الأبيض ـ مبررا لإبلاغ مصر بهذا القرار في وقت مبكر حتي تدبر احتياجاتها الضرورية من أرغفة الخبز الأسمر الذي يعيش عليه السواد الأعظم من الشعب .
استغل جونسون فرصة انهيار محصول القمح السوفيتي وصعوبة استجابة موسكو لطلبات القمح المصري العاجلة ليضرب ضربته ، متصورا أن الشعب المصري الجائع سيزحف علي بطنه الخاوية لإسقاط نظام جمال عبدالناصر الذي كان قد خرج نهائيا من المدار الأمريكي‏.

 

وكان أن اجتمع مجلس الوزراء لمناقشة كيفية تدبير المبالغ اللازمة لشراء القمح فورا قبل وقوع الكارثة‏ ، وفي سخونة المناقشة جاء اقتراح بيع جزء من الذهب قيمته ‏10‏ ملايين دولار تدفع كعربون لشركات القمح العالمية لتحويل شحنات من القمح تحملها سفن كانت في عرض البحر إلي ميناء الإسكندرية‏ ، واتخذ القرار مجلس الوزراء وصدق عليه رئيس الجمهورية جمال عبدالناصر الذي قال _ حسب شهادة محمد حسنين هيكل _ إنه إذا لم نستعمل الذهب الآن فمتي نستعمله؟‏..‏ إن كنوز الدنيا لا تساوي أي شيء أمام تجويع مواطن واحد من هذا الشعب الذي يتغنون به طوال اليوم‏.‏
وكان جمال عبدالناصر قد رفض من قبل تمويل مشاريع التنمية الاقتصادية _ بعد حرب السويس وتراجع واشنطن عن المساعدة والمساندة _ ببيع الآثار ورصيد الذهب وكان هناك من اقترح ذلك في عام‏1957‏ بدعوي بيع الماضي لمصلحة المستقبل‏.‏

 

في خريف عام ‏1964‏ رافق الدكتور علي نجم محافظ البنك المركزي المصري سبائك الذهب وقد حملتها‏4‏ طائرات نقل خاصة إلي بنك التسويات الدولية في بازل‏ بسويسرا ، وكانت هذه السبائك تزن حوالي‏15‏ طنا وتمثل أقل من‏10%‏ من مخزون الذهب المصري المخزون منذ عام‏1952‏ وكان وزنه يزيد علي‏150‏ طنا ، وهو وزن يزيد كثيرا علي تقديرات فؤاد سراج الدين وهو وزير مالية قبل الثورة وتقديراته ‏، ويقترب الرقم من تقديرات رئيس الحكومة المصرية د‏.‏كمال الجنزوري الذي أعلن أن الرقم هو‏154‏ طنا وكان ذلك أمام مجلس المحافظين يوم الأربعاء ‏25‏ نوفمبر‏1998‏ ولكن تقديرات رئيس الوزراء أيضا أن الحكومات السابقة علي ‏1970‏ ـ عام وفاة جمال عبدالناصر ـ تصرفت في ‏79‏ طنا ليتبقي ‏75‏ طنا في خزائن البنك المركزي‏.‏

 

كل شهود العيان عما قبل عام ‏1970‏ يقولون إن التصرف في رصيد الذهب ـ المحفوظ في خزائن البنك المركزي علي هيئة قوالب في صناديق مغلقة عليها أرقام مسجلة تسجيلا دقيقا في الداخل والخارج ـ لم يزد علي الكميات التي بيعت في عام ‏1964‏ لإنقاذ مصر من حرب التجويع الأمريكية‏ ، وقد بيعت هذه الكميات بالأوقية ـ الأوقية حوالي‏31‏ جراما من الذهب عيار‏24‏ ـ وكان سعر الأوقية في ذلك الوقت‏35‏ دولارا‏.‏

 

وبالبحث والتنقيب في أرشيف جريدة الأهرام وعلي شرائط الميكروفيلم فيها‏ ، نجد أن القاهرة استضافت الملك سعود بن عبدالعزيز هو وأسرته بعد خلعه وكانت إقامته في الطابقين العلويين من فندق هيلتون النيل قبل تدبير قصر له ، وقد كانت نصيحة سعود لجمال عبدالناصر‏‏ إن الحرب النظامية التي يخوضها الجيش المصري في اليمن ليست مناسبة لطبيعة البلاد الجبلية القاسية وأن من الضروري شراء القبائل أو بعضها لضمان دعمها وتجنب شرها‏ ، وتطوع سعود واشتري من أمواله ‏5‏ ملايين جنيه استرليني في صورة عملات ذهبية ليوزعها بنفسه علي القبائل اليمنية‏ ،‏ وفي الوقت نفسه كتب شيكا علي ورقة كراسة بـ‏15‏ مليون دولار صرفت من أحد البنوك الهولندية إلي مصر‏ ،‏ هي التي تحدث عنها الكاتب الراحل جلال الدين الحمامصي في كتابه حوار وراء الأسوار واستخدمها في الطعن في ذمة جمال عبدالناصر وقد كان من السهل تبرئة ذمة زعيم لم يملك بيته وكان فراشه الذي ينام عليه عهدة أميرية‏.‏

 

وفي ‏23‏ أبريل عام‏1967‏ سافر الملك سعود علي متن طائرة خاصة إلي اليمن حملت صناديق الجنيهات الذهبية‏ ، وفي الطائرة كان هناك من بين رجاله من وضعوا الجنيهات الذهبية في أكياس من القطيفة بعد تقسيمها إلي ثلاث فئات هي‏:1000‏ و‏500‏ و‏100‏ جنيه حسب قوة وأهمية القبيلة‏ ، وكان معه علي الطائرة المشير عبدالحكيم عامر وأنور السادات وشمس بدران وزير الحربية وحسن صبري الخولي الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية والدكتور عبدالقادر حاتم الذي وصفه الخبر الرئيسي لصحيفة الأهرام في يوم ‏24‏ أبريل‏1967‏ بأنه المسئول عن جهاز الإعلام المختص بالرد علي الدعايات الاستعمارية الخارجية‏..‏

 

وحسب الخبر نفسه فإن الرحلة استغرقت‏4‏ أيام وأن الملك سعود ألقي خطابا من شرفة القصر الجمهوري في منطقة الألوف في صنعاء أعلن فيه اعترافه بثورة اليمن ونظامها الجمهوري‏ ، ولم ينس الخبر أن يذكر أن الملك قد وزع عطاياه علي القبائل‏ ، ولم يكن شاهدا علي ذلك عبدالحكيم عامر وأنور السادات اللذان فضلا أن تتم الصفقة بعيدا عن أي وجود رسمي لمصر .

 

وهكذا تحولت قصة فخر وإعتزاز مصرية ، خاضها جمال عبد الناصر بعزة دفاعا عن كرامة وإستقلال وحاجة مصر وشعبها ، إلي خرافة وخديعة ترددها سلطة حالية بكل ابواقها، في إطار مخطط وقح إستهدف مسبقا محاولة الوقيعة بين عبد الناصر وشعبه ، أملا في عودة السيطرة علي مصر ومحيطها ، ويستهدف الآن تزييف تاريخ مصر المقاوم المشرف ، أملا في تقزيم إرادة المصريين حتي لا يعودون لمشروعهم القومي والريادي الأعظم، وبعضهم اطلق هذه الشائعات من اجل ان يبرر بيع ما تبقى من ميراث مصر وتراث عبد الناصر ......

 

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات