نصر القفاص
يحاول "المهزومون
فى عقولهم" ترويج أفكارهم الفاسدة عن الشعب المصرى.. هؤلاء يتقربون للسلطة
باتهام الجميع, أنهم أقل من مستوى الحاكم فى التفكير والطموح والقدرة على العمل.. يحدث
ذلك غالبا فى عصور الانحطاط, وتكرر خلال فترات مختلفة من تاريخ مصر.. وإذا كانت "الجمهورية
الأولى" قد قامت على أن "الشعب هو القائد والمعلم".. فإن "الجمهورية
الثانية" اختارت خداع الشعب.. ثم أنكر مؤسسها وجود الشعب تماما.. حدث ذلك فى
خطاب شهير ألقاه "أنور السادات" بمناسبة الذكرى السابعة لما يسمى "ثورة
كوبرى 15 مايو" واختاروا له يوم 14 مايو عام 1978.. قال أمام البرلمان:
"أنا مسئول أمام الله لا أمامكم" ثم طرح "قانون العيب" فى ذات
رئيس الجمهورية.. وأضاف قائلا: "دين الدولة الرسمي هو الإسلام.. واحنا مش
مستعدين نتعامل مع حد يتنكر للأديان" فقاطعه هتاف "الله أكبر.. الحكم
بكتاب الله"!! وكان ذلك تدشينا لمعادلة الحكم الجديدة القائمة على طرفى مقص..
أحدهما الفساد والثاني الإخوان.. واستمرت المعادلة باستبدال الإخوان, وتقريب
السلفيين"!!
أصبحت مسئولية الحاكم
أمام الله.. وليس أمام الشعب!!
إعتقد مؤسس "الجمهورية
الثانية" أنه تخلص من صداع العمال والطلبة والمثقفين!!
كانت تؤلمه الشهور
التى عاشها قبل حرب أكتوبر.. فقد واجه خلالها أياما وأحداثا صعبة.. خاصة وأن كذبة
الديمقراطية التى استخدمها للتخلص من كبار رجال الدولة, قد انكشفت بسرعة مذهلة
بخنق الحريات.. وتجريم حق الإضراب والتظاهر.. مع تنصيب قيادات فاسدة على شركات
القطاع العام.. إضافة إلى تقديم من ترضى عنهم الأجهزة الأمنية لقيادة الجامعات
ومواقع الحكم المحلى, بداية من محافظ وصولا إلى رئيس حى أو قرية.. وكل ذلك كان
يحدث لأن "الديمقراطية لها أنياب".. وتمرد عليها العمال والطلبة والمثقفين..
ثم انضمت لهم النقابات المهنية.. واستجابة لما يحدث وتفاعلا معه, قرر كبار الأدباء
أن تكون لهم كلمتهم.. أصدروا بيانا كتبه بخط يده "توفيق الحكيم" وكان
حوله كل من: "نجيب محفوظ" و"لويس عوض" و"يوسف إدريس"
و"إبراهيم منصور" و"غالى شكرى" الذى ترك لنا كتاب "الثورة
المضادة فى مصر".. وهو من "الكتب المدفونة" رغم أنه دراسة علمية لا
تتفق كثيرا مع "زمن الجمهورية الأولى" لكنه يستحق القراءة والدراسة!
جاء بيان الكتاب
والأدباء قاسيا لأنه أعلن دعمه للشباب الثائر.. وضمن ما جاء فى البيان: "لا
يمكن أن يكون هناك حل إلا فى الصدق, والصدق وحده.. لأن الصدق هو الذى ينهى الحيرة,
ويقنع الناس كما يهدئ النفوس.. ولأن الغليان فى باطن الإناء يهدأ إذا تم كشف
الغطاء.. فالشعب يريد أن يقتنع بشئ لأنه غير مقتنع.. ولابد لراحة باله واقتناعه من
عرض حقائق الموقف أمامه واضحة"!! كما تضمن البيان فقرة أخرى, جاء فيها:
"يجب تغيير الإجراءات التى تسير عليها الدولة, تجاه حرية الرأى والفكر وحرية
المناقشة حتى تتضح الرؤية.. ولا يجب أن يكون للدولة رأى مسبق تضغط به على أهل
الرأى, لجعلهم مجرد أبواق لترديد رأيها وترويجه.. فالدولة يجب أن تكون آخر من يبدى
رأيها بعد أن تسمع رأى مصر الحر أولا.. ثم تصوغ رأيها من رأى الشعب.. لا أن تصوغ
هى الرأى وتضع الشعار.. ثم تلقى به إلى الناس وتفرضه عليهم فرضا"!!
حدث ذلك فى يناير من
عام 1973.. حتى لا ينتفض "الدجالون" الذين تم تعيينهم "مفكرين"!!
غضب "أنور
السادات" عندما فوجئ بنشر البيان فى جريدة "الأنوار" اللبنانية, بعد
أن رفضت الصحف المصرية نشره.. استدعى رؤساء تحرير الصحف, وكانت ثورته عليهم واضحة
فى حضور "عبد القادر حاتم" نائب رئيس الوزراء ووزير الثقافة والإعلام.. وراح
يطلق تهديداته ضد الذين وقعوا على "بيان الحكيم" كما وصفه.. فى اليوم التالى
– 11 يناير 1973 – دعا "عبد القادر حاتم" كل من: "توفيق الحكيم"
و"نجيب محفوظ" و"ثروت أباظة" إلى مكتبه وتحدث معهم مطولا.. وفى
الخلفية إندلعت حملة شعواء ضد "محمد حسنين هيكل" و"توفيق الحكيم"..
وتم اتهامهما بأنهما "شيوعيان" خاصة وأن "الحكيم" و"محفوظ"
أكدا على أنهما وقعا البيان.. لكنهما لا علاقة لهما بنشره فى الصحيفة "البيروتية"
وكان هذا صحيحا.. لأن "غالى شكرى" نشر تفاصيل ما حدث لكى يتم نشر البيان!!
صباح يوم 4 فبراير.. صدرت
صحف الصباح – الأهرام والأخبار والجمهورية – بعنوان: "إسقاط عضوية 64 من
عضوية الاتحاد الاشتراكي".. وتضمنت التفاصيل أن هيئة النظام فى الاتحاد الاشتراكي
هى التى اتخذت القرار.. الهيئة كانت تضم "حافظ بدوى" و"محمد حامد
محمود" و"أحمد عبد الآخر" و"أحمد كمال أبو المجد" و"يوسف
مكادى" و"محمد عثمان إسماعيل" والأخير معروف برعايته للجماعة
الإسلامية!! وكان معنى القرار هو حرمان من شملهم من ممارسة الصحافة, ونقلهم إلى
وظائف إدارية.. ضمت قائمة المفصولين: "أحمد بهاء الدين" و"لويس عوض"
و"لطفى الخولى" و"يوسف إدريس" و"ألفريد فرج" و"محمد
عودة" و"محمد مندور" و"عبد الرحمن الخميسى".. إضافة إلى
عدد من أساتذة الجامعات.. بعدها تم نشر قائمة أخرى ليصل عدد المحرومين من نعمة
الحرية والديمقراطية 111 من أهم عقول الأمة.. ولم تتضمن القوائم اسمى: "توفيق
الحكيم" ولا "نجيب محفوظ"!!
يوم 22 مارس 1973.. نشرت
"الأهرام" فى صفحتها الأولى صورة كانت مفاجأة!!
كانت الصورة للرئيس "السادات"
يصافح "توفيق الحكيم" وذكرت التفاصيل مع الخبر.. أنه عقد لقاء مع الأديب
الكبير فى حضور "عبد القادر حاتم" لمدة نصف ساعة.. ثم اختلى الرئيس مع "الحكيم"
لمدة ساعة ونصف.. وبعدها بأيام فوجئ المثقفون بصفحات أخذت عنوان "عودة الوعى"
بقلم "توفيق الحكيم".. وتولى توزيعها "ثروت أباظة" كما لو
كانت منشورا سريا.. وصدرت بعد ذلك فى كتاب, وتصدى للرد عليه "محمد عودة"
بكتاب "الوعى المفقود".. والكتابان تولى أمرهما "حانوتية الثقافة"
واختفيا!! وتكرر الأمر قبل رحيل "السادات" حين أصدر قائمة بإبعاد عدد
كبير من الصحفيين إلى الهيئة العامة للاستعلامات ووزارة الإسكان التى تم توزيع
الكاتب "محمود عوض" عليها!!
المثير أن كل ذلك يتم
التعتيم عليه, وترويج صورة الرئيس الديمقراطى – السادات – مقترنة بحملات لا تتوقف
عن الديكتاتور – عبد الناصر – الذى كان يمنع من الكتابة.. لكنه لم ينقل كتاب أو
أدباء إلى وظائف إدارية.. وتولى الحملات "مصطفى أمين" بعد الإفراج عنه
بعفو صحى من "قضية التجسس" الشهيرة.. وكذلك "جماعة الإخوان" التى
أنشأت لهذا الغرض أكثر من دار نشر.. كانت "الزهراء" أبرزهم ونشرت ما
قالوا أنها مذكرات "زينب الغزالى" التى قال "يوسف ندا" مؤخرا
أنه الذى كتبها.. مع إخفاء حقيقة أن "سيد قطب" كتب "فى ظلال القرآن"
وتم نشره خلال فترة سجنه فى "زمن عبد الناصر"!!
تحمل صفحات "روز
اليوسف" مقالا كتبه "إحسان عبد القدوس" يوم 17 أكتوبر عام 1963 ذكر
فيه: "هناك أشخاص يفكرون بالاشتراكية على الطريقة التالية.. لماذا لا نبيع
المصانع ونشترى جهاز تليفزيون وثلاجة لكل عامل بدلا منها.. إن مثل هؤلاء الناس
خطيرون ومدمرون"!! وعاش بعدها "إحسان عبد القدوس" ليرى الذين حذر
منهم, وقال عنهم "خطيرون ومدمرون" يمسكون دفة المسئولية جيلا بعد جيل.. حتى
وصلت إلى وزير يقول عن "مصانع الحديد والصلب" أمام البرلمان: "لاتساوى
عشرة صاغ"!! فقد تم فتح المزاد على ثروات مصر, والبيع لأقل سعر وسط مباركة
الذين يمارسون "عادة التنوير السرية" فى آخر الزمان!! وتصل الجرأة إلى
وصفهم بأنهم "مفكرون" ويكفينى الدكتور "أنور عبد الملك" عناء
السخرية منهم أو توصيفهم.. لأنه قال عنهم فى كتابه "المجتمع المصرى والجيش"
بالنص: "الأفكار الكاذبة التى يخدع بها الدجالون المأجورون حكومات البلدان
المتخلفة, تطرح نفسها.. فهم يقولون باستطاعة رأس المال الخاص القيام بمهام النهضة
المطلوبة.. وأن البلدان التى كانت مستعمرة لا تحتاج إلى صناعات ثقيلة.. لأن
بمقدورها أن تعتمد على الأخ الكبير – الإمبريالية – وأن التخطيط وتدخل الدولة فى
الحياة الاقتصادية يعنيان الفوضى والبيروقراطية والشللية والفشل".. ثم يضيف
قائلا: "الواقع أن التجربة المصرية – فى زمن الجمهورية الأولى – أسهمت
موضوعيا فى تحطيم نفوذ الرأسمالية ووطأتها على الجماهير العربية والإفريقية.. لتؤكد
على أنه من حق كل أمة اختيار سبل تطورها"!!
يرى الكاتب الفرنسى "روبير
سوليه" فى كتابه "السادات" أنه: "بعد أن أزاح خصومه, شرع فى
تكوين طبقة سياسية من كبار ملاك الأراضي القدماء وصناعيين ورجال أعمال يدينون له
كليا لكى يدخلوا إلى دوائر السلطة".. ثم يعقد مقارنة فيقول: "تغير
الأسلوب الرئاسي.. فبعد عبد الناصر الواقف أمام الميكروفون يلهب حماسة الجماهير.. جاء
السادات الجالس فى أغلب الأحيان فهو يروى قصص لساعات, أملا فى إثارة إعجاب
المستمعين أو إضحاكهم"!! وهنا سنجد أن الباحث المصرى "عماد عبد اللطيف"
أجرى دراسة إنتهت إلى أن متوسط خطابات "أنور السادات" فى العام كانت تصل
إلى 101 خطاب.. مقابل 75 خطاب فى العام لسلفه "عبد الناصر"!! وقد راهن
كثيرا على دعم الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية, لإعطائه ما
يمكنه من تحقيق "الرخاء والتنمية" دون أن يجد أكثر من دعم معنوى.. فقرر
أن يذهب إلى السلام مع إسرائيل!!
المعلومات والحقائق
صادمة.. لأن "حانوتية الثقافة" دفنوها!!
المراجعة واسترجاع
الذاكرة.. هما السبيل الصحيح إلى "الجمهورية الثالثة" المنشودة!!
إستهلاك الوقت وإهدار
قيمة الزمن تمكن "المهزومون فى عقولهم" من أن يستمروا فى دجلهم بدعوى
أنهم "خبراء استراتيجية" أو "مفكرون" دون اكتراث بأن الثقافة
تتعرض للتدمير الذاتى.. وأن الإعلام يتم تدميره.. ولا يهمهم أن تتحول السياسة إلى "حسب
الله السادس عشر" كما أبدع "عبد السلام النبالسى" فى تقديم شخصيته..
كل ما يهمهم منصب بلا قيمة, مع كثير من المال وقليل من النفوذ!!
وهؤلاء أصبحنا نراهم
يظهرون علينا بضمائر استراحت, على حطام ماض تم تكليفهم بنسفه.. وحطام مستقبل
يبشرون به لحساب "واشنطن" وعواصم الغرب.. ثم قبلوا أن يلعبوا لحساب
عواصم النفط!!
يقول الكاتب "إريك
رولو" فى كتابه "كواليس الشرق الأوسط" بالنص: "عند عودتى إلى
القاهرة عام 1963.. اكتشفت أن النظام الناصرى قد نجح خلال عشر سنوات فقط فى تسليم
مصر للمصريين وفقا لشعار القوميين الرائج فى بدايات القرن العشرين.. تجولت فى وسط
البلد لأجد أن الأقليات ذات الأصول الأوروبية – الخواجات – قد اختفوا.. وعجت
الشوارع بأفراد من أهل البلد المنحدرين من الطبقات الاجتماعية الفقيرة, من الذين
يرتدون البدلة والجلباب.. وكانوا فى عهد الملكية يتحاشون المغامرة بارتياد الأحياء
التى يقطنها أجانب.. خشية أن يتعرضوا لتحريات رجال الشرطة للتثبت من هوياتهم"!!
يسجل ذلك كاتب فرنسى من أصول
مصرية.. يعتنق الشيوعية.. يهودى الديانة.. أبعده الملك السابق مع أسرته عن مصر قبل
ثورة يوليو ببضع أشهر.. بينما "أراجوزات التنوير" ينكرونه ويروجون العكس,
بما يؤكد أن هذه الأمة تواطأ عليها مثقفيها وأشباه المثقفين.. الذين يرفلون فى
حياة "زمن الملكية" ثم يقولون أن أزمة مصر سببها "العسكرى والمدنى"
مع إدراكهم أن هذه "الخرافة" هدفها ضرب العمود الفقرى لهذه البلاد.. وسبق
أن حدث يوم أن وقعت كارثة الاحتلال البريطانى, فكان أول قرار لقادته مع "الخديوى
توفيق" هو إصدار قرار "حل الجيش المصرى" وذلك لا ينفى أخطاء الذين
سايروا "منهج الخداع الاستراتيجي" من قيادات القوات المسلحة.. والحقيقة
أن "الجمهورية الأولى" بكل ما لها وما عليها قامت على أكتاف وقيادة شباب
القوات المسلحة.. وأن "الجمهورية الثانية" بكل ما لها وما عليها كانت
بقيادات من القوات المسلحة.. والاستثناء حدث خلال شهور إنتهت "بثورة 30 يونيو"
التى وصلت ما انقطع مع "الجمهورية الثانية" بسذاجة منقطعة النظير.. والبرهان
فى وقائع لا تحتمل تكذيبا!!..
الجمهورية الثالثة !! حكاية شارون !! ( 36)
يتبع
0 تعليقات