علي الأصولي
عرف ابن عبد البر في (الاستيعاب)
الخزاعي بقوله : سليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون بن منقذ ابن ربيعة بن أصرم
الخزاعي.. يكنّى أبا مطرف. كان خيّراً فاضلاً له دين وعبادة، كان اسمه في الجاهلية
يساراً، فسمّاه رسول الله (ص) سليمان، انتهى.
كان مطاعا بين قومه
محترما بين أقرانه ناصرا للخط العلوي في زمانه،
بعد هلاك معاوية تم
عقد مؤتمر في بيته على ما حدثنا الطبري - ج٤ - قال «قال أبو مخنف: فحدّثني الحجاج
بن علي عن محمد بن بشر الهمداني قال: اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد، فذكرنا
هلاك معاوية، فحمدنا الله عليه، فقال لنا سليمان بن صرد: إنّ معاوية قد هلك، وإنّ
حسيناً قد تقبّض على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن
كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا إليه، وإن خفتم الوهل والفشل، فلا
تغرّوا الرجل من نفسه. قالوا: بل نقاتل عدوه، ونقتل أنفسنا دونه. قال: فاكتبوا
إليه».
وبعد الإنفاق كتب
سليمان إلى الإمام الحسين(ع) كتابا جاء فيه - «من سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب
ابن نجبة، ورفاعة بن شدّاد، وحبيب بن مظاهر، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل
الكوفة.. أما بعد: فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه
الأُمة، فابتزها أمرها، واغتصبها فيأها، وتآمر عليها بغير رضاً منها، ثم قتل
خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبُعداً له
كما بعُدت ثمود. إنه ليس علينا إمام، فأقبل لعلّ الله يجمعنا بك على الحق،
والنعمان بن بشير في قصر الإمارة، لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد،
ولو بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام، إن شاء الله. والسلام
عليك ورحمة الله وبركاته. انتهى.
والغريب أن أخبار
سليمان بعد هذا الكتاب لم تظهر على الساحة الكوفية لا مع مسلم ولا مع الإمام
الحسين (ع).
ومن هنا لا يخلو أمره
إما الذهاب نحو فرضية السجن أو فرضية التخاذل، بعد أن انقطعت اخباره!
فهذا ابن عبد البر
يحدثنا عن فرضية التخاذل بقوله : «وكان فيمن كتب إلى الحسين بن علي يسأله القدوم
إلى الكوفة، فلما قدمها ترك القتال معه، فلمّا قُتل الحسين ندم هو والمسيّب بن
نجبة الفزاري وجميع مَن خذله؛ إذ لم يقاتلوا معه، ثم قالوا: ما لنا من توبة مما
فعلنا إلا أن نقتل أنفسنا في الطلب بدمه» ( الاستيعاب في معرفة الأصحاب ج٢).
وقد وافق ابن الأثير
فرضية ابن عبد البر ، وزاد ابن سعد في ( الطبقات الكبرى ج٤) كون ابن الصرد كثير
الشك والتردد والتوقف في المواقف، وهذا نصه: «كان فيمن كتب إلى الحسين بن علي أن
يقدم الكوفة، فلما قدمها أمسك عنه، ولم يقاتل معه، كان كثير الشك والوقوف، فلمّا
قُتل الحسين ندم هو والمسيّب بن نجية الفزاري وجميع مَن خذل الحسين، ولم يقاتل معه».
وفي قبال هذه النظرية
افترض الشيخ المامقاني في كتابه ( تنقيح المقال ج٥) نظرية وفرضية الحبس إذ قال: إنه
كان محبوساً في سجن عبيد الله بن زياد مع أربعة آلاف من الشيعة «ما قاله ابن
الأثير من تخلّفه عن نصرة الحسين (ع) من سهوه، ضرورة أن مما اتفقت عليه كتب السير
والأخبار أنّ ابن زياد لما اطّلع على مكاتبة أهل الكوفة الحسين (ع) حبس أربعة آلاف
وخمسمائة رجل من التوّابين من أصحاب أمير المؤمنين (ع) وأبطاله الذين جاهدوا معه،
منهم سليمان هذا» انتهى.
إلا أن الشيخ
المامقاني لم يقدم أي دليل على هذه الفرضية - فرضية السجن –
والشيخ التستري له
رأي آخر إذ جزم في تخلف سليمان عن النصرة وحاول التستري ان يقدم ما يدعم جزمه بعد
قول: «اتفقت كلمة الخاصة والعامة من تخلّف هذا عن نصرة الحسين عليه السلام بدون
عذر» بالاستدلال ـ بخطبة سليمان التي ذكرها ابن نما في كتابه ( ذوب النضار في شرح
الثأر )، إذ جاء فيها: «أما بعد فقد ابتُلينا بطول العمر والتعرّض للفتن.. وكنّا
مغرمين بتزكية أنفسنا ومدح شيعتنا، حتى بلى الله خيارنا فوجدنا كذّابين في نصرة
ابن بنت رسول الله سلام الله عليها ولا عذر دون أن نقتل قاتليه، فعسى ربّنا أن
يعفو عنّا» غير أن هذا الكتاب ليس من المصادر المتقدمة التي يمكن الركون عليها
بتوفر الشواهد،
وكذلك استدل بما قاله
سليمان بن صرد وأصحابه عندما زاروا قبر الحسين (ع) إذ روى الطبري ( تاريخ الأمم
والملوك ج٤) عن أبي مخنف عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق، قال: «لما انتهى سليمان ابن
صرد وأصحابه إلى قبر الحسين نادوا صيحة واحدة: يا رب، إنّا قد خذلنا ابن بنت
نبيّنا، فاغفر لنا ما مضـى منّا، وتب علينا، إنك أنت التوّاب الرحيم...
وكذلك استدل بخطبة
سليمان عند لقاء العدو: «ونادى عباد الله، مَن أراد البكور إلى ربه، والتوبة من
ذنبه، والوفاء بعهده فإلي، ثم كسر جفن سيفه...»
وما ذهب إليه المحقق
التستري وجيه جدا لتوفر الشواهد والقرائن على التخاذل بصرف النظر عن آراء ما ذكره
أكابر علماء تاريخ أهل السنة فلاحظ.
0 تعليقات