عمر حلمي الغول
صراع البشرية عموما،
والمجتمعات القومية ضد اللا مساواة بين الرجل والمرأة، وضد العنف الذكوري تجاه
النساء لم يتوقف يوما، وتمثل الدور الريادي في المراحل التاريخية المعاصرة العديد
من الأشخاص والنخب السياسية والثقافية من الجنسين، والمنظمات الحقوقية دفاعا عن المرأة،
التي وقعت تاريخيا تحت سيف القهر والعنف وإستباحة الحقوق الدنيا إلى ان حلت
التجربة الإشتراكية (الشيوعية)، التي تبنت مبدأ مساواة المرأة بالرجل. لكن التجربة
الإشتراكية على اهميتها لم تعمم، وبقيت محصورة في نطاق ضيق وحدود دول المنظومة الإشتراكية،
التي إنهارت مطلع تسعينيات القرن الماضي، وايضا في الدول الإسكندنافية وبعض اوروبا.
بيد ان كل التطور الذي لامس حقوق المرأة، مازال ناقصا، لإن المرأة حتى هذة اللحظة
تعاني من التمييز المجتمعي، ولم تحصل على حقوقها في المجتمعات المتقدمة، فما بال
الإنسان في المجتمعات العالم ثالثية المتخلفة، والتي تعاني من تسيد المرجعيات
المعادية لدور ومكانة المرأة كشريك اساس في المجتمع.
من المؤكد تأخر كثيرا
الألتفات لموضوع العنف والأغتصاب والإساءة لمكانة المرأة في المجتمعات البشرية،
إلى ان حدثت عملية الإغتيال الوحشية ضد الأخوات "مير ابال" الناشطات
السياسيات في الدومنيكان عام 1960 بأوامر من الديكتاتور رافائيل تروخيلو.
التي تم تسليط الضوء
عليها في دول اميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي من خلال منظمة "Encuentros" النسائية عام 1981، وتبنت يوم 25 نوفمبر من كل عام يوما
لمكافحة العنف والإغتصاب ضد المرأة، وزيادة الوعي به، مما شكل رافعة لإعتماد الأمم
المتحدة ذات اليوم بتاريخ 17 كانون اول / ديسمبر 1999.
ومنذ ذلك التاريخ،
ومع إسدال البشرية الستار على القرن الميلادي الثاني، وولوجها الألفية الثالية
أمسى ال25 من نوفمبر يوما لحماية المرأة من العنف والجريمة الذكورية متعددة
الأشكال، ورفض الإضطهاد والتعنيف والإغتصاب، والتمييز باشكاله وتلاوينه الذكورية
المختلفة، في البيت والعمل والعلم والمكانة القانونية، وفي مختلف مناحي الحياة.
وإذا إنتقلنا من
العام للخاص الفلسطيني نجد ان المرأة حتى يوم الدنيا هذا تعاني من كل مظاهر
التمييز والإضهاد والقتل، حيث تم قتل ستة عشر إمرأة في مناطق ال48 فقط خلال هذا
العام، ولا تقل جرائم القتل تحت عناوين متعددة عنها في اراضي دولة فلسطين المحتلة
حزيران 1967، فضلا عن وجود عمليات تحريض باسم الدين والشرف والعادات والتقاليد
البالية لمواصلة قهر المرأة، وانتهاك ابسط حقوقها الإنسانية، رغم كل التطور
الإيجابي في النظام الأساسي، والمراسيم الرئاسية ذات الصلة بحقوق المرأة.
نعم المجتمع
الفلسطيني لم يتعافَ حتى اللحظة من الممارسات الخاطئة ضد المرأة، لعدة اسباب، منها:
اولا لم تحصل المرأة على كامل حقوقها الإجتماعية والقانونية والإقتصادية
والسياسية، ومازالت تعاني من التمييز في حقول المجتمع المختلفة؛ ثانيا تجذر الوعي
القبلي والعشائري المتكأ على القيم الخاطئة والمتخلفة المهددة لتطور مكانة المرأة
خصوصا والمجتمع عموما؛ ثالثا عدم تمكن السلطة من فرض القانون في المحافظات
الفلسطينية، والتهاون في جرائم الشرف مع مرتكبي الجرائم، وعدم ملاحقة المعنفون
لبناتهم أو نسائهم قانونيا؛ رابعا سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على قطاع غزة منذ
حوالي 14 عاما، مما فاقم من عمليات التمييز، وإنتهاك النظام الأساسي عموما، وفرض
القوانين التمييزية بذرائع واهية وكاذبة لا تمت للدين الإسلامي بصلة؛ خامسا إنخفاض
مستوى الوعي المجتمعي عموما، وإزدواجية المعايير والقيم في اوساط المثقفين والنخب
الذكورية والقوى والأحزاب، وعدم تمثلها لمسؤولياتها تجاه المرأة؛ سادسا وقوع
المرأة نفسها في متاهة الإستسلام للقيم السائدة، وعدم إدراك مصالحها وحقوقها نتاج
تسيد الوعي الذكوري، لا بل وان قطاعا لا بأس به من النساء يدافعن عن المنطق
الذكوري والرجعي عموما؛ سابعا الإستعمار الإسرائيلي ودوره في إضطهاد المجتمع
عموما، والمرأة خصوصا والسعي الدؤب لبث الفرقة والتخلف والعنف والجريمة في اوساط
المجتمع الفلسطيني بهدف تعميق الشرخ الإجتماعي والقانوني والسياسي وإستثمار ذلك
لإغراضه الإستعمارية.
وعليه فإن المجتمع
الفلسطيني في الوطن والشتات وداخل الداخل بحاجة إلى إحداث نقلة نوعية تجاه المرأة
وحقوقها ومكانتها ودورها الريادي في المجتمع، والعمل على تطوير القوانين داخل
اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة وصولا لمساواتها بالرجل، وملاحقة كل مرتكب جريمة
قتل او عنف أو إضطهاد او إغتصاب في اي بقعة من أراضي الدولة الفلسطينية، وتجاوز
التقسيمات الإستعمارية الإسرائيلية، وتفعيل دور القضاء ضد الجناة بغض النظر عن مواقعهم
واسماؤهم وأماكن سكناهم. والعمل على محاصرة الإنقلابيين، وفرض المصالحة، وتثبيت
النظام الأساسي، وإعادة الإعتبار له في المحافظات الجنوبية. وفي مناطق ال48 على
لجنة المتابعة العربية العليا واعضاء القائمة المشتركة والمجالس القطرية والنخب
السياسية والثقافية العمل بشكل حثيث للتشهير بكل المتورطين بجرائم القتل والتعنيف
ضد المرأة، وتوجيه اصابع الإتهام دون تردد لإجهزة الأمن الإسرائيلية عموما،
والشرطة والشين بيت خصوصا، التي تلعب دورا اساسيا في توسيع وتفشي جرائم القتل
والإغتصاب والعنف ضد المرأة، والقيام بحملة توعووية واسعة في المدن والقرى
والبلدات الفلسطينية العربية لمحاصرة إضطهاد المرأة. معركة الدفاع عن المرأة
وحقوقها، هي معركة الشعب كله، لإن مجتمعا لا يحترم المرأة، سيبقى مجتمعا من
العبيد، وفاقدا الأهلية في التطور، لإن المرأة هي الحامل الأساس للتربية والقيم
والعلم في المجتمع.
0 تعليقات