الشيخ حسن شحاتة الارتقاء نحو السماء
محمود جابر
قبل البدء ..
في الحلقة السابقة لهذا المقال كنا قد تحدثنا عن عناية المحترم المستشار الدمرداش العقالى، وبعد نشر المقال بأيام إذا بالخبر الأليم فى وفاة عنايته . هذا الخبر الذى تلقته العديد من الدوائر السياسية فى مصر وعلى رأسهم عناية السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى والدوائر القضائية بتقديم واجب العزاء … وكذلك الدوائر السياسية والدينية خارج مصر وفى عموم العالم الإسلامي .
ولعل هذه المقالات فيها جزء من التاريخ لرجال قدموا العطاء ولم يجنوا الا الحرب والهجوم والحصار، وكان واجبا علينا تجاههم وتجاه التاريخ ان نكتب بعض من سيرتهم … عسى ان نقدم للناس شيء مفيدا وتكون هذه المقالات نوعا من الاعتراف بالجميل تجاه هؤلاء الرجال العظام .
النهاية :
من مؤتمر الصالة المغطاة المسمى زعما “نصرة سوريا” برعاية الرئيس المصري – الإخوان – محمد مرسى فى حضور قيادات الوهابية الجماعاتية التكفيرية ، حيث تم قرع طبول الحرب في المؤتمر ضد المسلمين الشعية، بعد أن أخرجوهم من الملة والدين، وقال الشيخ السلفي محمد عبد المقصود مخاطبا الرئيس مرسي: “مهما استطعنا أن نستغى عن هؤلاء الأنجاس الذين لا يعترفون بالنبي وآل بيته فلنفعل، وأعلم أن التركة ثقيلة، ولكنها عواطف أحببت أن اسمعها للسيد الرئيس”.
أما مرسى، الذي بدأ منذ تولية السلطة مغازلة السلفيين وحتى الجماعة الإسلامية التي وضعت للتو السلاح جانبا، بهدف تشكيل جبهة موحدة ضد معارضيه، واخذ يبتعد شيئا فشيئا عن القوى الحقيقية التي فجرت الثورة، بدا في هذا المؤتمر أكثر ميلا إلى حلفائه عندما أيد ضمنيا تكفيرهم للشيعة بعد أن صمت إزاء كل تصريحاتهم الشاذة، لاسيما عندما أعلن قطع العلاقات بسوريا وإغلاق السفارة السورية في القاهرة وسط تأييد السلفيين، في الوقت الذي مازال العلم الإسرائيلي يرفرف فوق ارض الكنانة بمكان غير بعيد عن منصة خطاب مرسي.
مشاركة مرسي في المؤتمر مع تلك الطغمة الإرهابية تحت الصالة المغطاة لم تكن الأولى فقبل ذلك شارك في مؤتمر عقد في القاهرة أيضا حضره أكثر الشخصيات كراهية للشيعة في مقدمهم القرضاوي والعريفي وحسان ومن لف لفهم، حيث كفروا الجميع واستثنوا أنفسهم.
بعد مؤتمر الصالة المغطاة في ملعب، أو “الصالة الفضيحة” كما يسميها بعض المصريين، وجدت الفتاوى التكفيرية التي انطلقت من هذا التجمع وبحضور مرسى، وجدت طريقها إلى التطبيق على الأرض، بتخطيط واشتراك من هؤلاء جميعا ووقعت حادثة المجزرة البشعة فى زاوية ابو مسلم محافظة الجيزة يوم الأحد الموافق 23 يونيو 2013، فقتلوا الشيخ حسن شحاتة وأخويه إبراهيم وشحاتة وعماد سلامه رابعهم . وكانت هذه نهاية الحكاية …
أما البداية التي رأيتها بنفسي من خلال معرفتي بالعديد من أتباع الشيخ حسن شحاتة، فهي تفوق الوصف فلم أجد أحد متعلق بأحد تعلق الحب والطاعة مثلما كان تعلق أحباب الشيخ وأتباعه له، طاعة اختلط فيها الحب بالطاعة بين حب الموالى الصوفي التامة بقائد يأمرهم وينهاهم وهى حالة صعب أن تجدها …
أما الشيخ الشهيد فكان رجل بسيط بكل ما تعنى الكلمة من معنى، باسم الثغر، حاضر الذهن، ذو لغة قوية وحضور يأخذ قلب من يسمعه، كلماته تقع فى الذهن قبل الآذن، يتكلم كعازف بيانو، يقطف كلماته من أشجار مثمرة وقطوفها دانية…
رأيته فى منزله فى الجيزة كانت البيت بسيطا وكان للتو خارجا من اعتقال طويل، قدم لنا الشاي مع الحلوة والسجائر التي لا تخلو أي منضدة فى البيت من وجود عدد من علب السجائر والقداحة مصاحبة لكل كومة سجائر فى كل ركن.
المرة الأخيرة التي التقينا فيها ببيت صديق ثالث في أحد ضواحي القاهرة واستمرت الحديث بيننا وقوفا أكثر من خمسة عشر دقيقة، ثم طلب أن نجلس، ورغم أنى كنت على سفر وهو مقيم لكن استمر الحديث وقت طويل وتكلمنا فى أشياء عديدة وكانت وجهتى نظرنا مختلفة ولكنه كان ذو عزيمة لا تلين ولا يخشى أي شيء وفى النهاية قال : هم يعنى هيقتلونى ما أنا طالب ده من ربنا ومتشفع بآل البيت ” قالها بلكنة سكان أبو كبير شرقية التى تبعد عن مسكنى بنحو 20كم واعرف العديد من الأصدقاء هناك وحتى فى مسقط رأسه …
كان هذا هو حسن شحاتة الذي رغم أننا لم نكن أصدقاء بحكم فارق السن والسكن، ولكن اعترف كما يعترف الجيمع أنه كان رجل مليحا ظريفا حلو الطلعة مليح الوجه حاضر الذهن .
أما حسن شحاتة :
فهو حسن محمد شحاتة موسى العناني المولود يوم الاثنين الثالث عشر من ذي الحجة عام 1365هـ/ 11/10/ 1946م، في بلدة هربيط التابعة لمركز أبو كبير بمحافظة الشرقية.
كان والده متزوج من ثلاث نساء. آخرهن أم حسن شحاتة فكان له ستة أشقاء وهو الثاني بينهم. وكان حسن من أسرة متدينة ويروي حسن أن أباه قد وهبه للقرآن وهو في بطن أمه. وبالفعل فقد درس شحاتة القرآن منذ نعومة أظافره وحفظه كاملا وهو يبلغ من العمر خمس سنوات ونصف على يد معلمه عبد الله العويل. قبل أن يذهب فيه أباه لإكمال دراسته في الأزهر. وقف حسن شحاتة على المنبر ليخطب بالناس لأول مرة وهو طفل لم يتجاوز الـ 15 ربيعا في مسجد الأشراف ببلدته وظل خطيبا فيه لمدة خمس سنوات. ثم انتقل للخطابة في مسجد الأحزاب ببلدة مجاورة لمدة سنتين.
التحق بالخدمة العسكرية عام 1388 هـ / 1968م، وتولى إمامة الجمعة، في سلاح المهندسين، ومن هناك شارك في حرب أكتوبر، ثم انتقل إلى مدينة الديدامون في محافظة الشرقية، وصار إمام الجماعة هناك.
وفي عام 1404 هـ / 1984م انتقل إلى القاهرة وفيها ابتدأ نشاطه الديني، فبالإضافة إلى إمامة الصلاة بمسجد الرحمن بمنطقة كوبري الجامعة وخطبة الجمعة فيه، فقد كان يدرس خمسة دروس في مساجد متعددة.
وكان له برامج دينية عديدة في إذاعة القرآن الكريم وأحاديث في إذاعة صوت العرب وإذاعة الشعب، كما كان له ندوات في نوادي القاهرة وجميع محافظات مصر، ثم سجل برنامجاً أسبوعياً تلفزيونياً تحت عنوان “أسماء الله الحسنى” كان يبث على القناة الأولى في مصر.
لم يكن الشهيد شحاتة عالماً أزهرياً فحسب، بل كان أستاذاً لكثير من العلماء الذين تتلمذوا على يديه، وأئمة الأزهر ـ بما فيهم الشيخ الطنطاوي ـ يعرفونه عن كثب، فقد كان زميلاً لهم. وصفته الصحف والمجلات المصرية: «إنه أكثر المشايخ الذين أثاروا جدلاً وصخباً وضجيجاً في مصر».
استشهاده
بدأت المأساة أثناء إعداد مجموعة من أتباع آل البيت عليهم السلام في قرية “أبو مسلّم” للاحتفال يوم الأحد 14 شعبان عام 1434 هـ / 23 يونيو 2013 م في منزل أحد أتباع المذهب في القرية ، وقبل بداية الاحتفال هاجمتهم مجموعات من السلفيين بلغت 1000 شخص بحسب صفحة “طلاب الشريعة” ومعهم أعداد من أهالي القرية الذين حرّضوهم وضللوهم؛ وتمكنوا من اقتحام المنزل والاعتداء على الشهيد الشيخ حسن شحاتة ومن معه بالضرب حتى الموت، وتمت كل هذه الأحداث أمام أعين قوات الشرطة التي رفضت التدخل وكأنه أمر خُطط له مسبقا من قبل سلطة الإخوان ً!!
الكره الأعمى يتجدد
سبب الحقد الأعمى والكره المستشري في بواطن المتزمّتين والتحريض البغيض من على المنابر والقنوات التلفزيونية إلى إيجاد جوّ أسود وصورة معتمة عن النشاطات الدينية التي يقوم بها الشهيد ورفقاؤه في إحياء مناسبات أهل البيت عليهم السلام مما أوجد حالة مسعورة لدى كثير ممن تجمهروا عند البيت الذي كان يتواجد فيه الشهيد وآخرون .
يروي واحد ممن كان داخل المنزل في ذلك الوقت ـ وكانوا 20 شخصاً تقريباً ـ أنه شاهد حشداً يبدأ في التجمع أمام المنزل، ووسطه اثنان من شيوخ السلفية يجرون مكالمات هاتفية ويوجهون الناس على ما يبدو. ويستمر قائلاً:«ثم كسروا المدخل، فصعدنا إلى الطابق الثاني، وأوصدنا الباب الحديدي المؤدي إليه، لكنهم بدأوا يطرقونه بدوره. وبدأوا يحطمون قطع الأثاث كلها، ويلقون بالطعام في الشارع. ثم صعدوا إلى السطح وتمكنوا من إحداث ثقب في سقف إحدى الغرف. وكان هذا أخطر الأمور، فقد بدأوا يلقون زجاجات المولوتوف داخل الغرفة من الثقب، فأشعلت النيران في ثياب أحد الرجال. ثم بدأوا يلقون زجاجات المولوتوف من الشرفة».
قرر الشهيد الشيخ شحاتة مغادرة المنزل مع شقيقيه ورجل رابع؛ لحماية الموجودين داخل المنزل من تواصل الهجوم، بما أن الواقفين بالخارج كانوا ينادون باسم الشهيد. وبناءً على ما أظهرته مقاطع فيديو، فقد اعتدى الحشد المتجمهر على الرجال الأربعة بشكل وحشي، بالقضبان الحديدية والعصي الخشبية، ضرباً على الرؤوس والظهور. ثم أوثقوا أيديهم وجرّوهم عبر الشوارع يهتفون “الله أكبر” .
كل هذه الأحداث سمعتها من خلال الهاتف والاتصال بأحد الحضور ولعله يتذكر ذلك، ونحن نحاول البحث عن طريقة للخروج من هذه الهجمة البربرية ولكن للأسف لم يستجب لنا احد عبر كل هذه الاتصالات !!
مواقف منددة بما حصل
أبدت أحزاب وشخصيات سياسية مصرية مواقفاً منددة بما حدث للشهيد شحاتة ومن كانوا معه، وأوعز بعضهم ذلك إلى الخطابات التحريضية التي سادت في تلك الفترة وخصوصاً من الجماعات السلفية وجماعة الإخوان المسلمين وخطاب الرئيس آنذاك محمد مرسي المنتسب لتلك الجماعة.
مجالس التأبين
أقام له العديد من الشخصيات والمنظمات والمؤسسات الدينية في العديد من البلدان الإسلامية تأبيناً ومجالس للعزاء، وقد كان للعراقيين دورا كبيرا فى تأبين الشيخ الشهيد، وجاء موقف السيد على السيستانى واصدار بيان من مكتب سماحته تأبينا للشهيد، وعقدت العديد من مجالس العزاء فى عموم العراق، ووضعوا اسمه وصوره في الشوارع وعلى الجسور والمنازل والمدارس وعلى الدوائر وفي كل حي من أحياء العراق يوجد عزاء ومأتم ولوحات تعبر عن التعازي ومحاسبة المقصرين.
الشيخ اليعقوبى وتأبين بطعم الثورة :
فقد اصدر سماحته بيانه رقم (378) فجر يوم الخميس 24 شعبان 1434 الموافق 4/7/2013 وألقاها من خلال قناة النعيم غداة إعلان القوات المسلحة عن عزل الرئيس المصري محمد مرسي ووضع خارطة طريق لمرحلة انتقالية استجابة لملايين المتظاهرين الذين تجمعوا منذ يوم 30/6 حتى مساء 3/7.(*)
بعنوان ” تفسير أمير المؤمنين عليه السلام لثورات الشعوب – ثورة الشعب المصري نموذجا”…
وكان البيان شاملا لكل أوضاع الإقليم عامة وللوضع المصري خاصة، وكان هذا البيان شاملا شمول العالم ببواطن الأمور وسير الإحداث في مصر، ولم يقف البيان عند تأبين الشهيد الشيخ حسن شحاتة فقط ، بل كان البيان شاملا لشرح ووضع رئاسة الإخوان فى مصر ودور الشعب المصري ودور القوات المسلحة المصرية التي قمت بحماية مصر من خطر هؤلاء الإرهابيين الذين استولوا على السلطة .
وقال سماحته فى بيانه الذى صدر بعد عزل الرئيس الإخوانى فقال : لقد تنكّر الرئيس المعزول لشعبه وشركائه ونكث عهوده ولم يبذل الجهد الكافي لإصلاح أحوال الشعب وحلّ مشاكله بل زادها تأزّماً لعدم أهليته ولأنّه وحزبه انشغل بالاستبداد والاستئثار بالأمور وقادوا عملية واسعة للسيطرة على مفاصل الدولة كلّها من أعلى المناصب إلى ما هو دونها لينشئوا ديمقراطية مزيّفة تعيدهم إلى السلطة باستمرار في كل انتخابات لأن أدوات الوصول إليها من المال والإعلام والمناصب والوظائف ستكون كلّها بأيديهم…
ورغم سيطرت الإخوان على مفاصل الدولة إلا أنهم وكما يقول سماحته .. فشلوا في كلّ شيء ولم ينجحوا إلاّ في جمع الشعب بكل فئاته على رفضهم والمطالبة برحيلهم، وبالغوا في النكاية بالشعب حين صمّوا آذانهم عن سماع صوته والنـزول إلى رغبته ولو بإجراء استفتاء شعبي على بقائهم في السلطة وهو خيار دستوري، وذهب الحزب أبعد من ذلك حينما استخفّ بمعارضيه وقدرتهم على حشد الرأي العام وهدّد بالعنف وسفك الدماء.
وكان من ابلغ مصاديق عنفهم وإجرامهم كما يقول سماحة الشيخ اليعقوبى … الحادث الوحشي المريع الذي أدّى إلى استشهاد المرحوم الشيخ حسن شحاتة ورفاقه….. بعد تحريض شديد ضد الشيعة، وأُريدَ لمثل هذا الحادث أن يكون نذر شؤم لحرب طائفية طاحنة لم يعرفها الشعب المصري من قبل، من دون أن يكلّف النظام نفسه بالتحقيق في القضية ومعاقبة الفاعلين وهم معروفون مشخّصون بالصوت والصورة فجنوا على أنفسهم وقُتلوا بسيف البغي والظلم الذي سلّوه لتصفية خصومهم.
ثم يشيد سماحته بدور الشعب المصري والقوات المسلحة المصرية بقوله …
وكانت القوات المسلّحة واعية أيضاً للتحريف الخطير في عقيدتها التي لا تزال تُدرّس إلى اليوم في أكاديمياتها على أن العدو الأوّل هو الكيان الصهيوني، وإذا بالنظام يتحوّل إلى خادم للمصالح الأمريكية والصهيونية بشكل وصف بأنه أكثر من الرؤساء السابقين المتهمين بالانبطاح والاستسلام للكيان الغاصب، ويجعل العدو الأول المعارضين له في الرأي والمخالفين له في العقيدة من أبناء وطنه، وإثارة الفتن والقلاقل في الدول الأخرى حين دعوا إلى التخلص من الشيعة والجهاد في سوريا، فلا نستغرب من الضغوط الأمريكية على الجيش والشعب ليتراجع عن رفضه للنظام، وتكرار النظام وأنصاره لكلمة الشرعية في خطاباتهم بشكل ممل ليوحي للعالم أنّ الشرعية والديمقراطية مهدّدة في مصر استجلاباً لعطفه، ولكن ذلك كلّه لم ينفعهم.
هذا الحادث الإجرامي كان له اثر فى أن نعرف أن الدماء الطاهرة من شأنها أن تزيح المجرمين من على سدة الحكم حتى وان كان المقتول المغدور به لا يملك حولا ولا قوة ولكن الله تعالى ناصر عبده المظلوم من قهر وبغى وظلم الظالم … رحم الله الشهيد الشيخ حسن شحاتة …
-----------
0 تعليقات