درس مُستفاد
صلاح زكي احمد
( ... في النصف الثاني من عقد
الخمسينيات من القرن الماضي ، كانت فرنسا على شفا الموت ، لأسباب سياسية كثيرة
منها :
فشل العدوان الثلاثي على مصر ،
وهزيمتها المدوية في معركة " ديان بيان فو " في فيتنام ، فضلاً عن متاعب
حرب التحرير الجزائرية ....
فرنسا كانت تحتضر ...
ذهب قادة الفكر والثقافة
والسياسة الى قرية الجنرال " شارل ديجول " ، حيث كان يعيش في منفاه
الاختياري ، يرجون منه العودة الى باريس ليُنقذ فرنسا من الموت ...
ابتسم لهم القائد التاريخي ،
ووجه لهم سؤالاً واحداً ، بعد تمهيد بسيط :
" .. تعرفون أنني أعيش في
هذه القرية منذ سنوات ، بعد تطهر روح فرنسا من قبضة النازي في الحرب العالمية
الثانية ، كانت هناك فرنسا الى تقاوم وترفض الانكسار ، كُنت مَعَكُم وَكُنتُم معي
نُقاوم ...
الآن أعيش في عزلتي بعيداً عما
يجري في العاصمة ، ولا أعرف بالتحديد ماذا يجري هناك ، وفي ضوء إجابتكم على سؤالي
سوف اتخذ قراري ، بالعودة الى باريس ، أو أبقي في قريتي حتى يأتيني الموت .."
...
*******
استمع الحضور للقائد الذي أحيا
فرنسا بعد موت ، ويأملون منه أن يقدم خدمته الاخيرة لوطن يُحِبهُ ...
وجه لهم الرجل هذا السؤال
البسيط والخطير :
" أرجو الاطمئنان على
أحوال التعليم ، وأحوال القضاء " ؟؟
********
كانت الإجابة بالإجماع تقول :
" سيدي الجنرال ، أوضاع
التعليم مُمتازة ، أما القضاء فهو مّصون لم يُمّس ، لم تضربه الرشوة ، ولم يّفسد
القُضاة " ابتسم الجنرال " ديجول " وقال لهم عبارة واحدة : انتظروني
نصف ساعة لكي أُجهز حقيبة ملابسي ، فسوف أعود معكم الى باريس ، فرنسا لم تمُت بعد
، فرنسا مريضة ، ولكن عقلها سليم ، وقلبها طاهر نظيف ، فرنسا لازالت قادرة على
التفكير والإبداع والإنجاز ، وفرنسا قادرة على أن تحكُّم بين مواطنيها بالعدل ولا
تظلم واحداً منهم .."
*******
انتهى كلام الجنرال "
ديجول " عن فرنسا ....
ماذا عن وطن نُحبهُ ؟؟؟
لا تنهض الآمُم إلاّ في وجود
نظام تعليمي مُحترم ، ونظام قضائي نظيف ...
دون ذلك تبقى كل الجهود أقرب
الى عنوان كتاب لخالد الذكر الاستاذ " خالد محمد خالد " الذي صدر في مصر
في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي ....
كان عنوان الكتاب :
" لكي لا نحرث في البحر
" ...
غير أنه ولُحسن الحظ أصدر
كتاباً آخر ، كان عنوانه مُبشِّراً ، كان عنوان الكتاب :
" من هنا نبدأ"
من التعليم والقضاء .... )
0 تعليقات