آخر الأخبار

الرد على افتراءات (برنارد لويس)



الرد على افتراءات (برنارد لويس)







تناولت فى الرسائل الثلاثة السابقة من خلال تلخيصي لمقدمة كتاب "الإسلام وأزمة العصر"تأليف برنارد لويس، والتي كتبها الأستاذ رءوف عباس، كيف كان لـ "برنارد لويس" المستشرق اﻻنجليزى المولد والصهيونى الهوى أثر على نظرة الغرب للإسلام وعلى صناعة القرار اﻷمريكى بغزو العراق، والذى رأى كما عرضت فى الجزء الثالث أن الإسلام دين عدواني ورسوله قيصر !

ولكن على الجانب اﻵخر هناك مستشرقون منصفون مثل البريطاني (ويليام مونتجومرى واط) والذي يعد بحق حجة فى تاريخ الإسلام وثقافته ولكنه لم ينل شهرة برنارد لويس ﻷن هدفه كان الحقيقة العلمية عكس لويس الذي كانت ضالته خدمة الصهيونية وأهدافها ، ومن مؤلفات "واط" كتاب( الفكر السياسي الإسلام -المفاهيم اﻷساسية) الصادر 1968 عن جامعة أدنبرة .Islamic Political Thoughts-The Basic Concepts
فهو ﻻيدرس اﻹسﻻم بمعزل عن المجتمع الذى نبت فيه أو المجتمعات التى تجمعت تحت لواء الدولة اﻹسﻻمية حيث اختلف الموروث الثقافى لتلك المجتمعات مما كان له تأثير على صياغة الفكر السياسي.فأشار (واط) إلى أن القرآن والسنة ﻻيشيران إلى (النظام السياسي) الذى يجب أن تقوم عليه دولة اﻹسﻻم وأن ذلك ترك ﻻجتهاد المسلمين باعتباره من أمور الدنيا، ومن ثم عبر كل نظام سياسي عن واقع مجتمعه وتغيره بتغير مواقع جماعات المصالح فيه.واجتهد الفقهاء فيما لم يرد فيه نص قرآنى أو حديث صحيح.وليس صحيح أن الشريعة المنزلة تناولت شيئا من شروط السلطة وشرعيتها وواجبات الحاكم وحقوق وواجبات المحكومين ، فكل ذلك من إبداع واجتهاد الفقهاء ..وتعددت وجهات نظرهم بتعاقب العصور.
ومما يدحض افتراءات برنارد لويس على اﻹسﻻم ورسوله ماكتبه (واط) عن النظام الذى وضعه الرسول لحكم المدينة بعد هجرته إليها، واختار له عنوان (دستور المدينة)وحدد أهم نقاطه فى :
1-يشكل المؤمنون ومواليهم أمة واحدة.
2-تتحمل كل قبيلة الدية أو الفدية الواجبة على أفرادها.
3-على أفراد اﻷمة أن يتضامنوا فى محاربة الجريمة حتى لو كان مرتكبها من ذوى القربى مادامت موجهة ضد أحد أفراد اﻷمة.
4-يتعاون أفراد اﻷمة ضد الكفار -وهم قريش المشركين وليس اليهود أو النصارى كما يذهب بعض الفقهاء -فى السلم والحرب، وفى منح حق اﻹجارة لمن يطلبها.
5-اليهود على اختلاف طوائفهم ينتمون للأمة ولهم اﻹحتفاظ بدينهم وعليهم أن يقدموا العون للمسلمين ،ويلتزم المسلمون بتقديم العون لهم فى السلم والحرب)).
وبعد فتح مكة وانضمام قبائل الجزيرة إلى الرسول تم ذلك فى إطار (الحلف)..وهى الصيغة السياسية التى يعرفها العرب فلم تكن صيغة (الحكومة المركزية) معروفة لعرب الجزيرة، ولما كان عرب الجزيرة بدوا يشكل الغزو جانبا من مصادر عيشهم -كما كانت أوروبا قبل عصر النهضة -فقد استفاد الرسول من ذلك فى توجيههم الى توسيع مجال اﻹسﻻم بضم بقاع جديدة تحت لوائه..فكانت حركة الفتوح الكبرى التى صفت الوجود البيزنطى فى الشام ومصر وأسقطت إمبراطورية فارس.

ويدحض (واط) انتشار اﻹسﻻم بالسيف أو فرضه قسرا على شعوب البلاد التى دخلت تحت لوائه مؤكدا التمييز فى المعاملة بين البلاد التى فتحت عنوة والبلاد التى فتحت صلحا، وعلى وضع أهل الذمة الذين كفل الإسلام لهم الحماية واﻷمان.

وكيف قامت اﻹدارة على كواهل أهل الذمة وتبنى الفاتحين العرب النظم اﻹدارية التى كانت سائدة عند الفرس والروم..ومشاركة القبائل النصرانية العربية فى فتوح الشام وأرض الجزيرة فى العراق واللجوء الى اﻷقباط (المصريين) والشوام المسيحيين فى اﻷسطول اﻹسﻻمى أيام اﻷمويبن.فلم يكن اﻹسﻻم عدوانيا ولم يكن نبيه قيصرا ولم يتم نفى غير المسلمين بل عندما امتد شرقا ليضم الزرادشت والبوذيين اعتبرهم من أهل الكتاب ومد إليهم عهد الذمة.
ويضع (واط) الخلافة فى إطارها الصحيح ، فبعد موت الرسول واجه أصحابة مشكلة قيادة اﻷمة لعدم وجود مايدلهم على ذلك فى الكتاب والسنة، فكانت فكرة الخلافة التى اهتدت إليها نخبة الصحابة وهى خﻻفة الرسول فى رئاسة الجماعة و (إمامة) الصلاة وليست خلافة النبوة.واهتدى الخلفاء الراشدون إلى مبدأ (المصلحة) فى إدارة شئون الدولة بالكتاب والسنة، مما جعل الخليفة عمر بن الخطاب" يبطل حد السرقة عند وقوع المجاعة، وجعل أبا بكر يحارب من امتنعوا عن دفع الزكاة حفاظا على تماسك الدولة الوليدة.
وتولى الخلفاء الراشدون اﻷمر من خلال (البيعة) التى كانت بدورها من التقاليد العربية السابقة على الإسلام.

ولذلك انزعج المعترضون للخليفة "عثمان بن عفان"عندما رد على طلبهم له بالتنحى عن الخلافة بقوله :(كيف أخلع قميصا ألبسنيه الله)! فعدوا موقفه هذا مخالفا للشرع وقتلوه.
وحتى عندما تحولت الخﻻفة إلى ملك عضود على يد "معاوية بن أبة سفيان "..لم يدع أحد من خلفاء بنى أمية أن سلطته مفوضة إليه من الله بل كان اﻹختيار يتم بالبيعة، وكان العباسيون هم أول من استند إلى (اﻹرادة اﻹلهية) فى توليهم السلطة..
ولم تظهر فكرة (التفويض اﻹلهى) إﻻ على يد الفاطميين، مع ملاحظة أن أوروبا فى ذلك العصر كانت تسودها فكرة (الحق اﻹلهى) للملوك وظلت كذلك حتى القرن 16 .وعندما ألغى ( كمال أتاتورك) الخﻻفة عام 1924 لم ينشأ فراغ حقيقى عن ذلك ﻷن المنصب كان قد فقد وزنه، وكانت دوافع المنادين بإحيائه شخصية بحتة، ومن هذا القبيل دعوة بعض المنظمات الإسلامية المتطرفة مثل (القاعدة) وزعيمها بن ﻻدن الذى نصبه "برنارد لويس" متحدثا بلسان جميع المسلمين.!!

ماجدة سعيد


إرسال تعليق

0 تعليقات