آخر الأخبار

الكوفة بيت المقدس

الكوفة بيت المقدس






بليغ حمدى


المعلوم أن المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في سورة الإسراء و كما في روايات الفريقين ليس ما روج و لايزال على انه في فلسطين أي بيت المقدس المعلوم و الذي منذ أن وطئت أقدام الصهاينة ارض فلسطين أواسط القرن المنصرم حتى أصبح واقعا أولى القبلتين و أقدس من حرمي مكة و المدينة بل تحول إلى ميزان يعرف به صاحب المبادئ و القيم و المدافع عن كرامة الأمة من المنافق بل كل من أصبح و القضية الفلسطينية ليست من اهتمامه فهو ليس منا و أكيد هو عميل منبطح.

 و لو رجعنا إلى الماسي و النكبات التي لحقت بالأمة قبل ما يسمى بالربيع العربي تكون هذه القضية هي العمدة في تلك.

و لكن الأمر في حقيقته دبر له و خطط له بمكر و دهاء لأجل التمهيد الخفي لدولة النظام العالمي الجديد .و لتبين الأمر ننهل مما أفاض به أمير المؤمنين إليه التسليم بخصوص هذه القضية لما اخبر في رواية عن علامات ما قبل الظهور قال ثم انه- أي الإمام المهدي إليه التسليم- يأتي إلى الكوفة و هي بيت المقدس -أو فيها بيت المقدس- و يواجهه السفياني إلى أن قال إليه التسليم...ثم انه في اليوم الثالث في صبيحتها ينزل عليه المسيح عيسى بن مريم من السماء و هو في مسجد الكوفة بيت المقدس يريد أن يصلي صلاة الصبح جماعة..."
- المتتبع للروايات الشريفة عن أئمة أهل البيت إليهم التسليم يلاحظ مقام بيت المقدس التي في فلسطين لا تلقى المقام و الاهتمام الذي لها اليوم بل حتى في كتب المخالفين لمن تدبر يشم رائحة التفخيم من خلال التركيب المتعمد لما يعرف بفضائل ما يسمونه بالمسجد الأقصى

- في الجزء الثاني والعشرين من البحار عن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) قال: «وعليك بمسجد الكوفة، فإنه احد المساجد الأربعة، ركعتان فيه تعدلان كثيراً فيما سواه من المساجد، والبركة منه على رأس اثني عشر ميلا من حيث ما جئته، وقد ترك من اسه ألف ذراع، ومن زاويته فار التنور، وعند الاسطوانة الخامسة صلى إبراهيم الخليل، وصلى فيه ألف نبي وألف وصي، وفيه صلى نوح النبي، وفيه اهلك يغوث ويعوق، ويحشر منه يوم القيامة سبعون ألفاً ليس عليهم حساب ولا عذاب، جانبه الأيمن ذكر وجانبه الأيسر مكر، ولو علم الناس ما فيه من الفضل لأتوه (حبوا) -
في فرحة الغري والبحار: بالإسناد الطويل عن ابن البطائني عن صفوان عن أبي اسامة عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «الكوفة روضة من رياض الجنة، فيها قبر نوح وابراهيم وقبور ثلاثمائة نبي وسبعين نبياً وستمائة وصي، وقبر سيد الأوصياء امير المؤمنين (عليه السلام)».
ذكر صاحب كتاب وسائل الشيعة 3/547 (وورد عن أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام: أي البقاع أفضل بعد حرم الله وحرم رسوله؟ قال عليه السلام: الكوفة! يا أبا بكر! هي الزكية الطاهرة، فيها قبور النبيين والمرسلين، والأوصياء الصادقين، وفيها مسجد سهيل-السهلة- الذي لم يبعث نبياً إلا وقد صلى فيه، وفيها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه، والقوام من بعده، وهي منازل النبيين، والأوصياء الصالحين).
و هذه الروايات فيها ما يكفي لبيان الفضل العظيم للكوفة و مسجدها مقر حكومة قائم آل محمد صلوات الله عليهم كما كان مقر حكومة أمير المؤمنين إليه التسليم و هذه المناقب تغني المرتاب و الشاك و المتحير و المشكك ان تؤكدها الوقائع عبر التاريخ و لاسيما المعاصر و من قبلها منذ البابليين و قد اتفق اغلب المؤرخين أن كل ما تعرض له الأنبياء عليهم السلام كان على ارض العراق عموما و في الكوفة خصوصا و ها هي الأحداث اليوم تؤكد أن البلاء و تكالب الأعداء على الكوفة سنة سنها أرباب الشجرة الخبيثة و أما بيت المقدس في فلسطين ان هي من قبيل ذر الرماد في الاعين و لصرف القلوب قبل العيون عن قبلة رب العالمين منذ ان سجد الملائكة لآدم منه السلام حيث كما في الروايات الشريفة اتخذوا كربلاء قبلة.
- لمن يراجع خطابات بعض المتزعمين و يطلقون جملة مسرى الأنبياء على المسجد الذي في فلسطين معارضة لما جاء على لسان أهل بيت العصمة إليهم التسليم في ثواب الأعمال والبحار: بالإسناد عن أبي بصير قال: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: «نعم المسجد مسجد الكوفة، صلى فيه ألف نبي وألف وصي، ومنه فار التنور، وفيه نجرت السفينة، ميمنته رضوان الله ووسطه روضة من رياض الجنة وميسرته مكر» .

بالإسناد عن هارون بن خارجة قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام) : « كم بينك وبين مسجد الكوفة يكون ميلا ؟ » قلت : لا ، قال : « فتصلي فيه الصلاة كلها ؟ » قلت : لا ، قال : « أما لو كنت حاضرا بحضرته لرجوت أن لا تفوتني فيه صلاة ، أوتدري ما فضل ذلك الموضع ؟ ما من نبي ولا عبد صالح إلا وقد صلى في مسجد الكوفة ، حتى أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما أسري به إلى السماء قال له جبرئيل ( عليه السلام ) : أتدري أين أنت يا محمد الساعة ؟ أنت مقابل مسجد كوفان ، قال : فاستأذن لي أصلي فيه ركعتين ، فنزل فصلى فيه ، وأن مقدمه لروضة من رياض الجنة وميمنته وميسرته لروضة من رياض الجنة ، وأن وسطه لروضة من رياض الجنة ، وأن مؤخره لروضة من رياض الجنة ، والصلاة فيه فريضة تعدل بألف صلاة والنافلة فيه بخمسمائة صلاة »
فأي مسرى زعموه فكما تنطق الروايات أن الأنبياء كان مصلاهم و حتى عند المخالفين لاسيما في صحيحي البخاري و مسلم لا توجد رواية قطعية تثبت ان المسجد الأقصى هو الذي في فلسطين علاوة على إثبات انه مسرى و مصلى الأنبياء منهم السلام و هذه القداسة و الهالة التي أحاطوها به كما ذكر اغلب الباحثين يرجع تاريخها إلى "يقول جعفر مرتضى العاملي في كتابه الصحيح من سيرة النبي الأعظم - الجزء الأول - فصل الحج إلى صخرة بيت المقدس (ويذكر المؤرخون أنه: حين استولى ابن الزبير على مكة والحجاز بادر عبد الملك بن مروان إلى: " منع الناس من الحج، فضج الناس، فبنى القبة على الصخرة، والجامع الأقصى؛ ليشغلهم بذلك عن الحج، ويستعطف قلوبهم. وكانوا يقفون عند الصخرة، ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة، وينحرون يوم العيد، ويحلقون رؤوسهم ". وقد قال عبد الملك عن الصخرة: هذه صخرة الرحمن التي وضع عليها رجله. وكان عروة بن الزبير، وابن الحنفية، وابن عمر، ينكرون ما يقوله أهل الشام عن الصخرة، من أن الله وضع قدمه عليها.)...
بنى عبدالملك هذا المسجد وأمر أهل الشام بالحج إليه وبالفعل حجوا إليه وطافوا حول قبة الصخرة. بل إن عمر بن الخطاب في زيارته الشهيرة الى الشام عام 15 للهجرة توجه لزيارة القدس وصلى في باحة كنيسة داخل القدس ولم يتحدث عن الأقصى بكلمه واحدة ولم يبحث عنها ولم يصلي على أركانها وكان الأولى أن يأمر ببنائها ولكنه لم يفعل بل تجاهلها تماما, إلا أنه أمر ببناء مسجد سماه المسلمون (مسجد عمر) تكريما للخليفة ولما جاء الأمويون غيروا اسمه إلى (المسجد القبلي) وبنوا بجنبه المسجد المسمى بالأقصى, واستغرق بناء هذا المسجد قرابة ثلاثين عام بدء في عهد عبدالملك بن مروان عام 66 هجرية 685 ميلادية واكتمل بناءه عام 96 هجرية 715 ميلادية في عهد الوليد بن عبدالملك بن مروان...
ينقل العاملي عن الجاحظ من كتابه رسائل الجاحظ ج 2 ويقول (ثم إنهم قد حولوا قبلة المسلمين، كما ينص عليه الجاحظ. والظاهر هو: أنهم قد حولوها إلى بيت المقدس تجاه الصخرة، التي هي قبلة اليهود، كما ربما يقتضيه ما تقدم. قال الجاحظ: "... حتى قام عبد الملك بن مروان، وابنه الوليد، وعاملهما الحجاج، ومولاهما يزيد بن أبي مسلم، فأعادوا على البيت بالهدم، وعلى حرم المدينة بالغزو، فهدموا الكعبة، واستباحوا الحرمة، وحولوا قبلة واسط ". إلى أن قال: "... فاحسب: أن تحويل القبلة كان غلطا، وهدم البيت كان تأويلا، واحسب ما رووا من كل وجه: أنهم كانوا يزعمون... الخ
فلمن راجع الروايات أعلاه يلاحظ أمرا مهما أن الأئمة إليهم التسليم كانوا ينهون شيعتهم أن يزوروا بيت المقدس و نتحدى الجميع أن يأتوا برواية واحدة فيها أن النبي صلى الله عليه و اله و سلم و أيا من أصحابه و كذا احد الأئمة إليهم التسليم زاروا بيت المقدس في فلسطين و عظموها...أما زيارة عمر بن الخطاب فهي لغاية ليس هنا محل التفصيل في حقيقتها...لذا أمير المؤمنين إليه التسليم قال لمن سأله السفر إلى بيت المقدس لأجل الأجر والثواب (بع راحلتك وكل زادك وصل في هذا المسجد) أي لا تسافر وصل في مسجد الكوفة,..
كذلك لا بد أن نسأل أنفسنا : إذا كانت القدس بهذه القداسة لدينا كمسلمين ، فلماذا لم يتخذها أحد من الخلفاء والسلاطين المسلمين ولو لمرة واحدة خلال التاريخ الإسلامي عاصمة لمُلكه!!؟ -- ولماذا اختار علي بن أبي طالب ع الكوفة عاصمة لخلافته دون القدس؟--- ولماذا حوّل بنو أُمية عاصمة مُلكهم إلى دمشق وليس إلى القدس؟----- ولماذا اختار بنو العباس بغداد عاصمة لحكمهم وأهملوا القدس؟----- ولماذا حوّل سلاطين الإخشيد والسلاجقة والفاطميين والأيوبيين والمماليك، مقر حكمهم إلى القاهرة وليس القدس؟ --- ولماذا نقل السلاطين العثمانيون مركز حُكمهم إلى الأناضول وليس القدس؟ --
وأما موضوعُ هيكلِ سليمانَ فهُو مِن مزاعمِ اليهودِ، ولا يُوجَدُ ما يُثبتهُ مِن مصادرَ تأريخي موثوقةٍ، بل التناقض َّوالتناقض والتضارب في دعواهم واضحٌ عن مكانِ الهيكلِ المزعومِ ] راجعْ كتاب: مسجدِ داوودَ وليسَ هيكلَ سُليمانَ: 58[.. وقد فند المؤر ِّخونَ والمحق قونَ كالد ُّكتورِ أَحمدَ سوسة الذي كانَ يهودي فأَسلمَ فكرةَ وجودِ الهكيلِ، وصر َّح بأَن َّهالفكرةٌ كنعانية وثنية، وكذلكَ عالمُ الآثارِ اليهوديّ "إِسرائيلُ فلنكشتاين" الذي صرح بعدمِ وجودِ آثارٍ تدُل ُّ على الهيكلِ المزعومِ. ] تَجِدُ نسخةً محفوظةً مِن كلامهِ 09 فبراير 2013 على موقعِ واي باك مشين..
أما اليهود المعاصرون من الحاخامات والعلماء الباحثين، وخاصة القادمين من أمريكا وبريطانيا "الإشكناز" فهم يعتقدون أن هيكل سليمان تحت الحرم القدسي، ولكنهم مختلفون فيما بينهم في تحديد مكان الهيكل، واختلافاتهم تصل إلى خمسة أقوال كلها مختلفة ومتناقضة، فمنهم من يزعم انه تحت المسجد الأقصى، ومنهم من يزعم أنه تحت قبة الصخرة، ومنهم من يزعم أنه خارج منطقة الحرم، ومنهم من يزعم انه على قمة الألواح وهي في منطقة الحرم بعيدا عن المسجدين.
ولقد أثبت علماء الآثار من اليهود والأوروبيين والأمريكان الذين نقّبوا واشتغلوا بالحفريات والأنفاق تحت الحرم القدسي الشريف، أنه لا يوجد أثر واحد لهيكل سليمان تحت الحرم القدسي .. لا تحت المسجد الأقصى ولا تحت قبة الصخرة، وشاركهم في هذا الرأي كثير من الباحثين اليهود والغربيين، مما دفع بعضهم إلى أن يقول إن الهيكل قصة خرافية ليس لها وجود، ومن أشهر هؤلاء العلماء اليهود "إسرائيل فلنتشتاين" من جامعة تل أبيب ونشرت آراؤه منذ فترة قريبة، من كتاب “العبودية الاختيارية” للكاتب الفرنسي “إتيان دولا بواسيه". ومن مقالة لعلى الصاوى يقول "لا بويسيه"
‏"أيتها الشعوب المسكينة والبائسة والحمقاء، أيتها الأمم المكابرة في دائها والعمياء عن نعمتها، أنتم تتراخون فتدعون الأجمل والأنقى من رزقكم يختطف من أمامكم، فحقولكم تنهب وتسرق، وبيوتكم تعرى من الأثاث القديم الذي كان لآبائكم، وتعيشون على نحو لا يسعكم معه الزهو بأنكم تمتلكون شيئا. يبدو أنكم إذا ترك لكم نصف ممتلكاتكم، ونصف عائلاتكم، ونصف حياتكم، تعتبرون ذلك سعادة كبرى.
‏أما هذا الويل كله وهذه المصيبة وهذا الدمار، فلا يلحق بكم على أيدي الأعداء، بل الأكيد حقا على يد العدو الواحد. يد ذاك الذي جعلتموه كبيرا جدا على ما هو عليه، هذا الذي يسيطر عليكم تلك السيطرة كلها ليس له سوى عينين إثنتين ويدين إثنتين وجسد واحد، وليس فيه شيئ آخر يزيد عن أدنى رجل من عدد سكان مدننا اللامتناهي، بإستثناء الإمتياز الذي تهبونه إياه ليتولى تدميركم. فمن أين جاء بذلك العدد الكبير من الأعين التي يترصدكم بها ما لم تكونوا أنتم أعطيتموه إياها؟؟ وأنى له تلك الأيدي كلها فيضربكم بها، ما لم يأخذها منكم؟؟ ومن أين جاءته الأقدام التي يطأ بها مدنكم، ما لم تكن هي أقدامكم أنتم؟؟ فهل له سلطة عليكم إلا بكم؟ وكيف يجرؤ على الهجوم عليكم لو لم يكن على وفاق معكم؟؟ وأي أذى كان بوسعه أن يلحقه بكم لو لم تكونوا شركاء للص والمستبد الذي يسرقكم ومتواطئين مع المجرم الذي يقتلكم وخونة حيال أنفسكم؟؟ أنتم تبذرون ثماركم من أجل أن يقوم بإتلافها، وتفرشون بيوتكم فتملأونها بالأثاث لتصير عرضة لعمليات سلبه، وتربون بناتكم ليشبع فجوره. وتتعهدون أولادكم بالرعاية من أجل ان يبادر في احسن الأحوال لإصطحابهم إلى حروبه فيقودهم إلى المجازر ويجعل منهم أدوات لتنفيذ أطماعه، ومنفذين لعلميات إنتقامه تنقصم ظهوركم إعياء كي يتمكن من التمتع بملذاته والتمرغ في أحضان الشهوات القذرة والدنئة لكي تضعفون أنفسكم لجعله أقوى وأكثر
وأي أذى كان بوسعه أن يلحقه بكم لو لم تكونوا شركاء للص والمستبد الذي يسرقكم ومتواطئين مع المجرم الذي يقتلكم وخونة حيال أنفسكم؟؟ أنتم تبذرون ثماركم من أجل أن يقوم بإتلافها، وتفرشون بيوتكم فتملأونها بالأثاث لتصير عرضة لعمليات سلبه، وتربون بناتكم ليشبع فجوره. وتتعهدون أولادكم بالرعاية من أجل ان يبادر في احسن الأحوال لإصطحابهم إلى حروبه فيقودهم إلى المجازر ويجعل منهم أدوات لتنفيذ أطماعه، ومنفذين لعلميات إنتقامه تنقصم ظهوركم إعياء كي يتمكن من التمتع بملذاته والتمرغ في أحضان الشهوات القذرة والدنئة لكي تضعفون أنفسكم لجعله أقوى وأكثر صلابة. إن بوسعكم التخلص من تلك الموبقات الكثيرة التي لا تقوى البهائم على تحملها لو كانت تحس بها إن بوسعكم التخلص منه إذا ما سعيتم لذلك. لا تسعوا إلى التخلص منه بل أعربوا عن الرغبة في ذلك فقط، إحزموا أمركم على التخلص نهائيا من الخنوع وها أنتم أحرار. أنا لا أريد منكم الإقدام على دفعه أو زحزحته وانما مقاومته بمقاطعتهم الى السقوط. حينما يتحول أحدالملوك او الرؤساء إلى طاغية فإن كل ما في المملكة من شر ومن حثالة يجتمعون من حوله ويمدونه بالدعم لينالوا نصيبهم من الغنيمة. وحين أتفكر في هؤلاء الناس الذين يتملقون الطاغية لأجل أن ينتفعوا بطغيانه وبعبودية الشعب يتولاني الذهول حيال شرهم بقدر ما تنتابني الشفقة حيال غباوتهم. فهل يعني تقرّب المرء من الطاغية في الحقيقة شيئًا آخر سوى ابتعاده عن الحرية؟؟". ويخلص الكاتب إلى أن الحاكم الطاغي ليس سيد نفسه، بل سجين طغيانه ولا يستطيع التحرر من سجنه، فلا يمكن أن يغيّر سلوكه. ولا يمكن للحاكم العاقل الحر استعباد شعبه، إلا إذا كان يعيش حالة الاستعباد ذاته، فالطاغية او المستبد والمنقلب شخص غير طبيعي في خوف دائم من شعبه يلجأ إلى الترهيب والعنف لقمع الاحتجاجات والتمردات ويسعى إلى تقوية سلطته بالقوة والحيل والكذب والإعلام الفاسد، والمهرجانات المنحطة والحفلات الشعبية السخيفة، لتخدير الناس وتنويمهم.
من كتاب “العبودية الاختيارية” للكاتب الفرنسي “إتيان دولا بواسيه". ومن مقالة لعلى الصاوى يقول "لا بويسيه"
‏"أيتها الشعوب المسكينة والبائسة والحمقاء، أيتها الأمم المكابرة في دائها والعمياء عن نعمتها، أنتم تتراخون فتدعون الأجمل والأنقى من رزقكم يختطف من أمامكم، فحقولكم تنهب وتسرق، وبيوتكم تعرى من الأثاث القديم الذي كان لآبائكم، وتعيشون على نحو لا يسعكم معه الزهو بأنكم تمتلكون شيئا. يبدو أنكم إذا ترك لكم نصف ممتلكاتكم، ونصف عائلاتكم، ونصف حياتكم، تعتبرون ذلك سعادة كبرى.
‏أما هذا الويل كله وهذه المصيبة وهذا الدمار، فلا يلحق بكم على أيدي الأعداء، بل الأكيد حقا على يد العدو الواحد. يد ذاك الذي جعلتموه كبيرا جدا على ما هو عليه، هذا الذي يسيطر عليكم تلك السيطرة كلها ليس له سوى عينين إثنتين ويدين إثنتين وجسد واحد، وليس فيه شيئ آخر يزيد عن أدنى رجل من عدد سكان مدننا اللامتناهي، بإستثناء الإمتياز الذي تهبونه إياه ليتولى تدميركم. فمن أين جاء بذلك العدد الكبير من الأعين التي يترصدكم بها ما لم تكونوا أنتم أعطيتموه إياها؟؟ وأنى له تلك الأيدي كلها فيضربكم بها، ما لم يأخذها منكم؟؟ ومن أين جاءته الأقدام التي يطأ بها مدنكم، ما لم تكن هي أقدامكم أنتم؟؟ فهل له سلطة عليكم إلا بكم؟ وكيف يجرؤ على الهجوم عليكم لو لم يكن على وفاق معكم؟؟ وأي أذى كان بوسعه أن يلحقه بكم لو لم تكونوا شركاء للص والمستبد الذي يسرقكم ومتواطئين مع المجرم الذي يقتلكم وخونة حيال أنفسكم؟؟ أنتم تبذرون ثماركم من أجل أن يقوم بإتلافها، وتفرشون بيوتكم فتملأونها بالأثاث لتصير عرضة لعمليات سلبه، وتربون بناتكم ليشبع فجوره. وتتعهدون أولادكم بالرعاية من أجل ان يبادر في احسن الأحوال لإصطحابهم إلى حروبه فيقودهم إلى المجازر ويجعل منهم أدوات لتنفيذ أطماعه، ومنفذين لعلميات إنتقامه تنقصم ظهوركم إعياء كي يتمكن من التمتع بملذاته والتمرغ في أحضان الشهوات القذرة والدنئة لكي تضعفون أنفسكم لجعله أقوى وأكثر صلابة. إن بوسعكم التخلص من تلك الموبقات الكثيرة التي لا تقوى البهائم على تحملها لو كانت تحس بها إن بوسعكم التخلص منه إذا ما سعيتم لذلك. لا تسعوا إلى التخلص منه بل أعربوا عن الرغبة في ذلك فقط، إحزموا أمركم على التخلص نهائيا من الخنوع وها أنتم أحرار. أنا لا أريد منكم الإقدام على دفعه أو زحزحته وانما مقاومته بمقاطعتهم الى السقوط. حينما يتحول أحدالملوك او الرؤساء إلى طاغية فإن كل ما في المملكة من شر ومن حثالة يجتمعون من حوله ويمدونه بالدعم لينالوا نصيبهم من الغنيمة. وحين أتفكر في هؤلاء الناس الذين يتملقون الطاغية لأجل أن ينتفعوا بطغيانه وبعبودية الشعب يتولاني الذهول حيال شرهم بقدر ما تنتابني الشفقة حيال غباوتهم. فهل يعني تقرّب المرء من الطاغية في الحقيقة شيئًا آخر سوى ابتعاده عن الحرية؟؟".
 ويخلص الكاتب إلى أن الحاكم الطاغي ليس سيد نفسه، بل سجين طغيانه ولا يستطيع التحرر من سجنه، فلا يمكن أن يغيّر سلوكه. ولا يمكن للحاكم العاقل الحر استعباد شعبه، إلا إذا كان يعيش حالة الاستعباد ذاته، فالطاغية او المستبد والمنقلب شخص غير طبيعي في خوف دائم من شعبه يلجأ إلى الترهيب والعنف لقمع الاحتجاجات والتمردات ويسعى إلى تقوية سلطته بالقوة والحيل والكذب والإعلام الفاسد، والمهرجانات المنحطة والحفلات الشعبية السخيفة، لتخدير الناس وتنويمهم.

--



إرسال تعليق

0 تعليقات