آخر الأخبار

كتاب المسيح المنتظر: تسليط الضوء على شواهد الجغرافيا والتاريخ




كتاب المسيح المنتظر: تسليط الضوء على شواهد الجغرافيا والتاريخ








ستار النعماني

كتاب المسيح المنتظر: تسليط الضوء على شواهد الجغرافيا والتاريخ وأسلوب التدوين وصراع الحقيقة مع التأويل
البداية وقبل الشروع بالموضوع ومن وجهة نظر شخصية ارغب بالإشارة إلى بعض النقاط التالية :
أولا – مهمة كتابة مواضيع مثل التي في كتاب (المسيح المنتظر) لمؤلفه المفكر الإسلامي الشيخ عباس الزيدي مهمة صعبة جدا خصوصا أن الجهود المبذولة في هذا الكتاب قد توجت بان يوضع المؤلف في مصاف المفكرين الإسلاميين وان من منح هذا الوصف شخصية دينية علمية غير اعتيادية وهو سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي(دام ظله).
ثانيا – من العنوان تسليط الضوء هو إشارة إلى أحداث واقعة ضمن جغرافية بلد جرى التعتيم عليها حاول مؤلف الكتاب إزالة الغموض وعوامل التغييب عن بعض الأحداث التي نسبت إلى تاريخ مواطن أخرى ليس هذا فحسب بل رسمت حدود لجغرافية مغايرة تماما لجغرافية الحدث فالصورة المكانية جرى تزييفها رغم أن العوامل المكانية التي ساهمت بتشكيل صورة الحدث الوارد ذكرها في النصوص المقدسة هي عوامل تجد من الصعوبة توفرها في ارض غير الأرض الحقيقية التي قصدها النص المقدس.
ثالثا – أسلوب المؤلف العلمي في تناول الإشكالية الموجودة وهي التعارض بين بعض نصوص الأديان السماوية حيث البحث في المشتركات التاريخية والعقائدية للوصول إلى نتيجة للأشكال المطروح والحقيقة لا وجود لأي تعارض وإنما هدف الأنبياء والرسل واحد وإنما المشكلة التحريفات التي أصابت اغلب النصوص في العهدين القديم والجديد .
رابعا – من خلال ما رأيناه في الكتاب وجدنا المؤلف سار باتجاه إثبات صحة وجهة النظر الإسلامية في إطار غير متعارض مع النصوص الواردة في كتب العهد الجديد أو القديم ومتوافق بنفس الوقت مع المناهج العلمية الحديثة للبحث .
خامسا – الانتماء إلى الأرض والتاريخ قد اوجب فروضا على المؤلف منها الدفاع عن مكان وزمان الأحداث الوارد ذكرها في هذا الكتاب أما المكان فهو ارض العراق وأما الزمان فهو جزء من تاريخ العراق دون أن يكون هناك أي تحيز بل على العكس وجدناه منصفا قد تناول الموضوع حسب قواعد العلم .
سادسا – المسؤولية الملقاة على عاتق مؤلف الكتاب ان يكون تدوين الأحداث وإيصالها كحقيقة بأقلام تنتمي إلى هذه الأرض والى هذا التاريخ المعني بالحدث وخصوصا أن لحظة التحول التاريخي من مرحلة قبل التاريخ إلى عصر التاريخ (عصر الكتابة وبداية التدوين) حدثت على هذه الأرض وبواسطة أصحاب هذه الأرض وعدم الاقتصار على أقلام الغير وخصوصا في مجال التدوين فان العواطف والدوافع والانحياز تكون سببا في بعض الأحيان إلى انحراف مجرى الأحداث باتجاه يصب في مصلحة الغير.
سابعا – نجد في هذا الكتاب أسلوب جديد في ربط الأحداث مع بعضها في حدود الزمان والمكان المعنيين بالحدث مع تقديم كل التفسيرات المنطقية لأي نتيجة يصل إليها المؤلف على ضوء المعطيات الموجودة في النصوص للأديان إضافة إلى تقديم كل التفسيرات لأي تناقض في النصوص المعنية بالحدث وربما يعود هذا السبب إلى كبر حجم تجربة البحث والتحقيق في كتب التاريخ ومقارنة الأديان التي تميز بها المؤلف .
ثامناً – الميل باتجاه قبول التفسيرات الخاصة بلغة وتفسيرات الحدث من الباحثين الذين عاشوا ضمن الجغرافية الحقيقة الحاضنة لحدث الرؤيا بسبب أن اللغات وخصوصا لغات بلاد وادي الرافدين التي دونت كل ما جاءت به رسالات السماء فيها روح ولكلماتها اثر فان ما نطق بها الأجداد لا بد أن يعلق بذاكرة الأحفاد ولو الشئ القليل الذي يساهم بفهم بعض معاني ما حملته لغة النص ولا بد من وجود اثير يجمع ترانيمهم السومرية أو الاكدية او الآرامية بتلاوتنا العربية وقد كانت هناك دراسات ومؤلفات لعلماء عراقيين قد بينت أراء مغايرة تماما لأراء الغربيين الذين حاولوا تصدير أرائهم بإطار ثقافاتهم ومعتقداتهم وتسويق أفكارهم للعالم عن طريق تزييف الحقائق التاريخية.
ينطلق الزيدي في بداية رحلته التاريخية من رؤيا يوحنا وما تحمله هذه الرؤيا من نبوءات بالمستقبل ومحاولة فك رموزها وإزالة كل معوقات الفهم الصحيح فمن الرمزية إلى اللغة ثم المكان والشخصيات فكيف تعامل المؤلف للتغلب على هذه المعوقات والتي نبدأها بالرمزية ؟
وجوابه انه لم يكن مضطرا للتعامل مع النص أو الحدث برمزيته وإنما بمعناه الحقيقي وإنما الاضطرار كان موجودا عندما انحسرت الخيارات في بعض العبارات التي لا يمكن حملها على حقيقتها ودعم أطروحته بنصوص وارد ذكرها بنفس الرؤيا حتى يكون هناك استدلال علمي بعيدا عن أي رأي متحيز قد يتهم به المؤلف.
أما المعوق الثاني الذي واجه الزيدي في رحلته فهو اللغة فان الخوض في مناقشة نصوص واردة بحادثة معينة وبتاريخ معين وجغرافية معينة دون ان يكون هناك فهم واضح لمعاني تلك اللغة المستخدمة سينتج عنه عدم فهم المعنى الذي تحمله الرؤيا بين طياتها خصوصا أن لغة النص أو الأفضل بنا القول لغة التدوين هي اللغة اليونانية وكون أن اللغة الآرامية هي لغة ذاك العصر فلغة التدوين اختلفت عن لغة صاحب الرؤيا ويسري هذا الأمر أيضا إلى الأناجيل وهي مشكلة تضاف إلى المشاكل السابقة فما هي آليات التعامل مع هذه المعوقات؟ وجوابه قام المؤلف بجمع عدة ترجمات متوفرة والخروج بنتيجة توفر اكبر حيز من التوافق وكذلك اعتمد على نصوص لنفس الرؤيا تفسر النص بل هناك الكثير من النصوص الإسلامية الواردة عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) التي تتوافق معانيها مع المعاني المذكورة بالرؤيا والتي قد ساهمت بشكل كبير في استخلاص المعنى الحقيقي للرؤيا والتي ساعدت المؤلف بالوصل إلى جوهر الحقيقة على عكس ما قام به باحثين آخرين من تجاهل لأسباب تتعلق بخلفية الباحثين العقائدية أو لتغييب الدور الفكري والحضاري الذي قام به آل محمد (عليهم السلام) أو لأبعاد الإسلام من تقديم وجهة نظره بخصوص هذه الأحداث .
المعوق الثالث تحديد مكان حدوث ما ذكرته نصوص الرؤيا(المدينة المقدسة أو أورشليم الجديدة) وربما هي المشكلة الأكثر تعقيدا كون أن هناك مدينة ستوفر المستقبل المشرق للبشرية والحقيقة أن كل الأديان تشترك بهذه العقيدة فسيكون من الصعب رسم حدودها وهنا تعود مشكلة تنافس التأويلات الخاصة بالمكان ولكن لابد أن يكون هذا التنافس خاضعا لقواعد العلم والنهاية ستكون انتصار الأطروحة المستوفية للشروط الواجب توفرها في مجالات البحث والتحقيق .
فالمكان كان أيضا محل اختلاف تارة بالتسمية وأخرى بموقعه فتعددت التفسيرات فبعض الباحثين قالوا أنها جزيرة العرب وبعضهم قال أنها اليمن وهناك من يقول فلسطين ولكن هناك جوانب مهمة يجب الالتفات إليها فالجانب الأول وجود عدد من الباحثين الذين تناولوا تفسير الأحداث التاريخية تجد لثقافة اليسار اثر في كتاباتهم ولم يعطوا لوجهة النظر الدينية مساحة كبيرة في الاستدلال وهذا ما يفقدهم شرط من شروط المنافسة فان التحيز واضح لأيدلوجية معينة على حساب أخرى وهذا ما ترفضه قواعد العلم. والجانب الثاني يختص بالتفسيرات والآراء الغربية فهناك الكثر من التاريخ يدعم وجهة نظر معينة لكن المشكلة عنونة هذا التاريخ من قبل الغربيين بعنوان الأسطورة فهذا يعد خرقا لقواعد العلم فليس من حق احد ان يصف بعض الحقائق التاريخية بوصف أسطوري ما لم يكن يمتلك الأدلة على ذلك والحقيقة لم تكن هناك أي أدلة بل بعض الآراء غير الموضوعية .
أما الجانب الثالث فان المدينة المقدسة هي مدينة نشأت على قاعدة تاريخية تمتد منذ منح الله سبحانه الوعي لبني ادم إضافة إلى أنها مدينة تجد الأبعاد الدينية والروحية والحضارية واضحة في المساهمة بنشأتها وان المعالم الحضارية والدينية لا بد من أن تترك اثر في الأرض التي شيدت عليها هذه الحضارة والعلوم الحديثة كعلم الآثار لم يجد من الآثار ما يشير إلى وجود هكذا مدينة بتلك المواصفات بتلك المدن أنفة الذكر.
والنتيجة أن فقدان هذه الشروط يعد خرقا لقواعد العلم وبنفس الوقت تعتبر نقاط قوة لصالح المؤلف إضافة إلى وجود نقاط قوة تضاف إلى رصيد المؤلف منها انه استطاع أن يدعم رأيه بأحاديث آل محمد (عليهم السلام) وهي نقطة مهمة جدا حيث لم يتوفر نص مقدس واضح يفسر هذه الأحداث سوى الأحاديث الواردة عن آل محمد (عليهم السلام) وهو جانب مهم جدا حيث بين قدرة الإسلام على الاستمرارية واعتباره الدين القادر على توفير هذا المستقبل المشرق .
والمحصلة النهاية إن هذه المدينة التي ستكون مصدر إشعاع فكري ومصدر تشريع لقوانين من شانها توفير الحياة الكريمة للبشر هي الكوفة العراقية وبهذا يكون رأي المؤلف هو الرأي الصائب والمتوافق مع قواعد العلم...


إرسال تعليق

0 تعليقات