آخر الأخبار

الفقه الإسلامي .... مدخل إلى معرفة التشريع فى الإسلام (( الفقه )) ( الحلقة الأولى )

الفقه الإسلامي
مدخل إلى معرفة التشريع فى الإسلام (( الفقه ))





محمود جابر



علم الفقه

إن علم الفقه لما كان من العلوم التي ترتبط بواقع الحياة وصميمها، لأنه تُعالج فيه الوقائع والحوادث الداخلية والخارجية, حيث انه العلم بالأحكام الإلهية لأفعال المكلفين، فكان ولابد أن تصقل مسائله العقول وتنقح مطالبه الأفكار ويناله التطور الذي ينال كل علم من العلوم التي يكون لها هذا الشأن.
كيف وموضوعه هو أفعال المكلفين، وهي تتغير بتغير الزمن وتتطور بتطور الحياة وكم كان الفرق بين الحياة في صدر الإسلام وبينها في هذه الأيام فان في هذه الأيام، قد صارت استفادة قوانينه وتطبيقها على الحوادث النازلة والوقائع المتجددة واستنباط الوظائف الدينية في الحياة العملية، واستلهام الأحكام الشرعية منها يحتاج إلى مهارة علمية ومقدرة فنية لانقطاع زمن الوحي، وهذا أمر يتجدد بتجدد الحوادث ويختلف باختلاف الافهام وسعة الاطلاع، فكان تطور علم الفقه بتطور الزمن، وتجدده بتجدد الأحداث أمراً لازماً لطبيعة موجوديته ولنفس حيويته وان تمر به أدوار مختلفة منذ نشأته حتى اليوم.
وعلى الفقيه الاطلاع على هذه الأدوار وتاريخ تطورها باختلاف الظروف والأحوال وتعدد مظاهرها الناتج عن اختلاف المذاهب والأنظار وتفاوت العقائد والأفكار، بل يكاد أن يكون من المحتم على من أراد زيادة البصيرة في هذا العلم التعرف بما قطعه هذا العلم من الخطوات والعقبات في مضمار رقيه وتقدمه الذي أبرزه بهذه الصورة في هذه الحياة، فان في ذلك عرضاً للأسس العامة للثقافة الدينية وبياناً لمناهج دراستها العلمية الفقهية، وهو ما يزيد الفقيه معرفة وخبرة واطلاعاً وبصيرة، والذي حصلناه من بطون الكتب المحررة في هذا الموضوع واستخرجناه من المؤلفات في هذا العلم انه قد مرت بهذا العلم أدوار متعددة.

علم الفقه
الأول: دور التشريع للأحكام الشرعية حيث أن الأحكام الشرعية هي التي يتركز عليها علم الفقه لكونها هي التي يُبحث في علم الفقه عن ثبوتها لأفعال المكلفين، وهذا الدور يبدأ من زمن بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد كانت عندما أكمل الأربعين سنة من عمره قبل هجرته للمدينة المنورة بثلاث عشرة سنة حيث كانت بعثته سنة 610 م تقريباً عندما جاءه الوحي في غار حراء فقال له [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1 )خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2 )اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3 )الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4 )عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5 )]سورة العلق.

مكان الوحي ومبدؤه:
كان ذلك الوحي في 27 من رجب عند الإمامية وفي 17 من شهر رمضان عند أهل السنة في الموضع الذي كان محل عبادته صلى الله عليه وآله وسلم بضواحي مكة المكرمة (غار حراء) ثم أخذ المسلمون يتلقون من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأحكام الدينية وما يوحى إليه فيه في دار الأرقم بمكة المكرمة.
ثم بعد ذلك أصبح منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مكة المكرمة هو الذي فيه يتلقى منه صلى الله عليه وآله وسلم الأحكام الفقهية والقوانين السماوية.
ومن بعد ذلك كان مسجده صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة هو الموضع الذي يأخذ منه صلى الله عليه وآله وسلم الأحكام الشرعية والمعارف الإلهية، وينتهي هذا الدور بوفاته صلى الله عليه وآله وسلم بعد الهجرة للمدينة المنورة بعشر سنين أي سنة 633م.
فتبليغه صلى الله عليه وآله وسلم يبلغ اثنتين وعشرين سنة وعدة أشهر. وقد ذكر بعضهم بأنه عبارة عن اثنتين وعشرين سنة وشهرين واثنين وعشرين يوماً.
وقد كانت دعوته صلى الله عليه وآله وسلم سراً بعد بعثته إلى مدة ثلاث سنوات, وبعدها أمره الله تعالى بأن يجهر بدعوته بقوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ) واستمرت دعوته ما يقارب ثلاث عشرة سنة في مكة المكرمة وقد نزل عليه من القرآن ما يقارب ثلثيه ثم ذهب للطائف بعد بعثته بعشر سنين سنة 620م.

وقت زمن هجرته صلى الله عليه وآله وسلم:
ثم هاجر من مكة إلى المدينة المنورة في السنة الثالثة عشرة من بعد بعثته وقد وصلها يوم الجمعة 2 يونيه سنة 623م.

مبدأ التاريخ الإسلامي:
وكانت هجرته هذه هي بدء التاريخ الإسلامي الهجري القمري وفي المدينة تكونت الدولة الإسلامية بقيادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأخذ الرسول يبين الأحكام الإسلامية حتى كملت فنزل قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) وكان نزولها قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أشهر ولم تنزل بعدها آية من آيات الأحكام.

مدة نشره صلى الله عليه وآله وسلم للأحكام:
كانت مدة نشره صلى الله عليه وآله وسلم للأحكام في المدينة المنورة عشر سنوات نزل فيها من القرآن ثلثه الأخير وشيء يسير منه.
الأعمال التي قام بها صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة:
وفي السنة الأولى من الهجرة بنى صلى الله عليه وآله وسلم المسجد النبوي وبنى مسجد قبا, وفيها شرع الجهاد والأذان وصلاة العيدين. وعن الواقدي انه لا خلاف بين الحجازيين في انه في هذه السنة 12 ربيع الثاني زيد في الصلاة ركعتان بعد أن كانت ركعتين حضراً وسفراً ولعله هو مراد الشيخ الطوسي من قوله في مصباحه (في أول سنة من الهجرة استقر فرض صلاة الحضر والسفر).

وفي السنة الثانية من الهجرة تحولت القبلة من المسجد الأقصى وهو بيت المقدس إلى الكعبة بعد أن صلى المسلمون إلى البيت المقدس (16) شهراً. وفيها كان أول خمس خمسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاخذ الصفايا والخمس في غزوة بني قينقاع وأعطى الباقي لأصحابه. وفي شهر شعبان منها شرع صوم شهر رمضان بعد ما كان الصوم ثلاثة أيام من كل شهر. وفيها فرضت زكاة الفطرة.

ثم بعد ذلك فرضت في هذه السنة زكاة الأموال وسنت صلاة العيد وتزوج الإمام علي عليه السلام بفاطمة سيدة النساء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي السنة الرابعة شرع القصر في صلاة المسافرين.

وفي السنة الخامسة أبطلت عادة التبني التي كان العرب يعاملون فيها الربيب معاملة الابن الحقيقي.
وفي السنة السادسة فرض الحج وفيها توجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه إلى مكة معتمراً فمنعه المشركون.

وفي السنة السابعة اعتمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي السنة التاسعة حج بالناس أبو بكر.

وفي السنة العاشرة توفى إبراهيم ابن النبي. وفيها حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع وخطب خطبته المعروفة وبين فيها أن علياً خليفته.

أسماء سني هجرته صلى الله عليه وآله وسلم:
وقد سمى المسلمون السنوات من هجرته إلى وفاته بأسماء مخصوصة، فالأولى بعد الهجرة سموها سنة الإذن، والثانية سنة الأمر بالقتال، والثالثة سنة التمحيص، والرابعة سنة الترفيه، والخامسة سنة الزلزال، والسادسة سنة الاستئناس، والسابعة سنة الاستغلاب، والثامنة سنة الاستواء، والتاسعة سنة البراءة، والعاشرة سنة الوداع، وكانوا يستغنون بذكرها عن عددها من الهجرة.


إرسال تعليق

0 تعليقات