آخر الأخبار

الإخوان شعب عبد العزيز فى مصر








الإخوان شعب عبد العزيز فى مصر

د. محمد إبراهيم بسيوني

كان حسن البنا طالبا بدار العلوم وتخرج فيها عام ١٩٢٧ وفى أثناء الدراسة فيها كان يحضر ندوات رشيد رضا فى دار العلوم، في مقر مجلة المنار، واستمرت الصلة بينهما.

 وبعد وفاة رشيد رضا تولّى حسن البنّا إصدار الأعداد الأخيرة من المنار قبل توقفها النهائي. وقد كتب حسن البنا بعد أن ترأس تحرير المنار تحت عنوان (في الميدان من جديد)، "بعونك اللهم وفي رعايتك وتحت لواء دعوتك المطهرة وفي ظل شريعتك القدسية وعلى هدي نبيك الكريم العظيم سيدنا محمد تستأنف هذه المجلة (المنار) جهادها وتظهر في الميدان من جديد". ومما كتبه عن رشيد رضا "ولقد كان السيد رحمه الله صادق العزم مخلص النية في آماله هذه فاستجابها الله له، وشاءت قدرته وتوفيقه أن تقوم على المنار (جماعة الإخوان المسلمين) وأن يصدره ويحرره نخبة من أعضائها، وأن ينطق بلسانها ويحمل للناس دعوتها. يا سبحان الله، إن جماعة الإخوان المسلمين هي الجماعة التي كان يتمناها السيد رشيد رحمه الله، ولقد كان يعرفها منذ نشأتها ولقد كان يثني عليها في مجالسه الخاصة ويرجو منها خيرًا كثيرًا، ولقد كان يهدي إليها مؤلفاته فيكتب عليها بخطه من المؤلف إلى جماعة الإخوان المسلمين النافعة، ولكنه ما كان يعلم أن الله قد ادخر لهذه الجماعة أن تحمل عبئه وأن تتم ما بدأ به، وأن تتحقق فيها أمنية من أمانيه الإصلاحية وأمل من آماله الإسلامية". "وإننا لنرجو أن نكون أسعد حظًّا من صاحب المنار رحمه الله في حسن معاملة المشتركين فيها، فإن مال الدعوة مهما كثر قليل بالنسبة لنواحي نشاطها وتشعب أعمالها فليقدِّروا هذه الحقيقة وسيجدون ما ينفقون في هذه السبيل عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا. ستعود المنار إن شاء الله إلى الميدان تناصر الحق في كل مكان، وتقارع الباطل بالحجة والبرهان، وشعارها الدعوة إلى الإسلام والدفاع عنه وجمع كلمة المسلمين والعمل للإصلاح الإسلامي في كل نواحيه الروحية والفكرية والسياسية والمدنية".

معنى هذا أن حسن البنا سرعان ما أحتل مكانة رشيد رضا فى مجال الدعوة السلفية بالإضافة الى عضويته فى جماعة الشبان المسلمين.

 الأهم من هذا أن احتلاله لموقع رشيد رضا واكبر تغيرا فى وضع المملكة السعودية الاقتصادي. كان رشيد رضا يعانى من ضيق ذات اليد، وكان ينفق أحيانا من عنده، وكان عبد العزيز حريصا ما استطاع على أن يساعد رشيد رضا ماليا. أختلف الحال بظهور البترول، وكان هذا فى صالح حسن البنا الذى بذل كل وسعه ليحظى بالقبول لدى عبد العزيز حتى ينال عطفه المالي.

والأستاذ جمال البنا شقيق حسن البنا يعترف بتلك الصلة بين شقيقه الأكبر ووالده والسلطات السعودية، في كتابه (خطابات حسن البنا الشاب إلي أبيه).

والدكتور محمد حسين هيكل في مذكراته عن السياسة المصرية يشير الي معرفته بالشاب حسن البنا في موسم الحج سنة ١٩٣٦، وكيف أن حسن البنا كان وثيق الصلة بالسعودية ويتلقي منها المعونة. وكان حسن البنا يمسك بيد من حديد بميزانية الجماعة، ولذلك فان الانشقاقات عن الإخوان ارتبطت باتهام الشيخ حسن البنا بالتلاعب المالي وإخفاء مصادر تمويل الجماعة عن الأعضاء الكبار في مجلس الإرشاد. وعن طريق الدعم السعودي استطاع البنا وهو المدرس الإلزامي البسيط أن ينشئ خمسين ألف شعبة للإخوان في العمران المصري من الإسكندرية الي أسوان.

أثناء دراسته بدار العلوم أتصل حسن البنا أيضا بمحب الدين الخطيب فى تردده على المكتبة السلفية، وأصبح عضوا فى جمعية الشبان المسلمين التى أنشأها محب الدين الخطيب. وأعترف حسن البنا في مذكراته (الدعوة والداعية) بصلته بالشيخ حافظ وهبة والدوائر السعودية، وقد جاء للقاهرة حافظ وهبة لانتداب بعض المدرسين المصريين ليقوموا بالتدريس فى مدارس الحجاز بعد أن أحتل عبد العزيز الحجاز. واتصل حافظ وهبة بجمعية الشبان المسلمين، فتكلم محب الدين الخطيب بحسن البنا فى ترشيحه فوافق البنا. والتقى البنا مع حافظ وهبة فى مقر جمعية الشبان المسلمين يوم ٦ نوفمبر سنة ١٩٢٨. ولم يتم هذا التوظيف. ولكنه كان بداية التعارف بين حافظ وهبة وحسن البنا، واستمر حسن البنا مدرسا إبتدائيا فى مدينة الإسماعيلية، ولكنه أكتسب معرفته بحافظ وهبة، واستمرت الصلة بينهما بطبيعة الحال.

كان حسن البنا وأتباعه حريصين على جذب انتباه الملك عبد العزيز والقريبين منه، وبعد محاولة الاعتداء على الملك عبد العزيز في الحرم من قبل أحد اليمنيين، أرسل المؤتمر الثالث لجماعة الإخوان عام ١٩٣٩ تهنئة للملك عبد العزيز بنجاته وإستنكارا لمحاولة اغتياله.
 في عام ١٩٣٦ توجّه حسن البنّا للحج أوّل مرةٍ في حياته. كان عبد العزيز يوجه الدعوات لكبار علماء المسلمين حيث يعقد لهم مؤتمرا يحضره بنفسه، ولم يكن الإخوان المسلمين وقائدهم الشاب ضمن كبار علماء المسلمين فى تقدير عبد العزيز. قرر حسن البنا أن يحج بأتباعه وأن يلفت نظر عبد العزيز بطريقة مبتكرة، وربما كانت هذه الطريقة باقتراح الداهية حافظ وهبة. كان مع حسن البنا مائة من إخوانه، حضر بهم المؤتمر فى هيئةٍ موحدة هي الجلباب الأبيض والطاقية البيضاء. وفي الموعد المحدد فوجئ علية القوم المجتمعون بمائة رجل في هذه الهيئة يخطون خطوةً واحدةً يتوسط الصف الأول منهم رجل منهم هو المرشد العام، وطلب حسن البنا الكلمة، وارتجلها وحازت الإعجاب.
 ونشرت جريدة أمّ القرى فى صدر صفحتها (خطاب للأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين). كان هذا أفضل مسرحية لتقديم الإخوان المسلمين الى عبد العزيز. ونجح مسعى حسن البنا، فقابل الملك عبد العزيز فى هذا العام، وطلب منه إنشاء فرع للإخوان المسلمين فى مملكة عبد العزيز، فرفض عبد العزيز قائلا (كلنا إخوان مسلمون). لم يفطن حسن البنا الى خطة عبد العزيز ومخاوفه. تجربة عبد العزيز مع إخوانه النجديين تعلم منها ألّا يعيد التجربة، بل الأفضل له أن يستغلهم فى مصر، فهم تنظيم سياسى وهابى طامح للحكم، أى هم خطر عليه فى بلاده ولكن طموحهم فى مصر قد يصل بهم الى حكم مصر، فتتحول مصر على أيديهم الى دولة وهابية تابعة دينيا لعبد العزيز، وبالتالي تكون تابعة سياسيا له. من هنا كان الرفض حازما من عبد العزيز، لا وجود للإخوان المسلمين فى دولته، مع مساعدته لهم فى حركتهم فى مصر وخارجها. لذا عمل عبد العزيز على احتضان الإخوان المسلمين وهم فى مصر، ومساعدتهم فى توجيه نشاطهم خارج مملكته انطلاقا من مصر. لهذا برغم رفض عملهم فى المملكة فقد توثقت الصلة بين حسن البنا والملك عبد العزيز، فالمراسلات استمرت بينهما، يعززها وجود حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز، وهو الذى رسم خطة تحويل مصر للوهابية عن طريق الإخوان وبقية الجمعيات الوهابية الدعوية السلفية. وأصبح الإخوان أبرز المدعويين لحضور موسم الحج والأكثر نشاطا فيه. وقد تهددت حياة حسن البنا بالخطر فى مصر عام ١٩٤٨، وقام بالحج، وقيل أن الحكومة المصرية أعدت خطة لاغتياله فى موسم الحج والصاق التهمة ببعض اليمنيين. بعد فشل ثورة الميثاق فى اليمن وكان أمير الحج المصري حامد جودة رئيس مجلس النواب الذي ينتمي إلى الحزب السعدي، قد صحب معه بعض الأشخاص الخطرين، ولكن الحكومة السعودية استشعرت ذلك فأنزلت حسن البنا ضيفًا عليها وأحاطت مقره بحراسة شديدة وقدمت إليه سيارة خاصة بها جندي مسلح لحمايته.
من ناحيتهم كان الإخوان المسلمون هم (شعب عبد العزيز فى مصر). استخدموا نفوذهم فى مصر الليبرالية فى إعداد استقبالات شعبية له عندما زار الملك عبد العزيز مصر عام ١٩٤٥. فقد أعدّ له الإخوان المسلمون استقبالا شعبيا حافلا. استقبلته جوّالة الإخوان المسلمين في مطار القاهرة بالمشاعل والهتافات الإسلامية مرحّبين بمقدمه. وحين تحدد موعد زيارته للإسكندرية تجمّعت فرق جوّالة الإخوان بالإسكندرية في ملعب الأولمبي لتنظيم برنامج الاستقبال في الساعة الثامنة من صباح ذلك اليوم، وتوزع الإخوان المسلمون على أماكن الاستقبال من محطة السكة الحديد إلى قصر الملك فاروق في رأس التين. ودعا الإخوان لعقد مؤتمرٍ عربيٍ من أجل فلسطين، وحضر المؤتمر زعماء عرب ومسلمون توافدوا على مقر المركز العام للإخوان، وكان ممن توافد الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود والأمير أحمد بن يحيى ومعهما بعض إخوتهما، أوفدهم والدهم الملك عبد العزيز. وبحث المجتمعون مع الحكومة المصرية وحسن البنا ما يجب عمله لإنقاذ فلسطين. وعقدت إنجلترا فى لندن مؤتمر المائدة المستديرة لبحث مشكلة فلسطين، وضم المؤتمر ممثلين عن العرب واليهود والحكومة البريطانية صاحبة الانتداب على فلسطين. وحضر من المملكة السعودية الأميران فيصل بن عبد العزيز وأحمد بن يحيى، واشترك الإخوان في المؤتمر باعتبارهم سكرتيرين للأميرين ومترجمين لهما. وأقام الإخوان المسلمون مظاهرة شعبية تجمعت بميدان الأوبرا في القاهرة تأييداً لفلسطين في شهر ديسمبر ١٩٤٧ بعد تقسيم فلسطين، وخطب حسن البنا وآخرون، وحضرها الأمير فيصل بن عبد العزيز. هذه هي علاقة الإخوان المسلمين بالسعودية، فالإخوان المسلمون كانوا ولا يزالون تنظيما له واجهة علنية وأخرى سرية، والعلاقات بينهم وبين السعودية فى هذه الفترة كانت فى الخفاء، والسعودية تلتزم الكتمان.

عميد طب المنيا السابق






إرسال تعليق

0 تعليقات