محنة وزارة التربية
محمد عبد الجبار
الشبوط
أثارت المرجعية
الدينية العليا في خطبة يوم الجمعة ١٩ تموز موضوع "مستوى التعليم في العراق، أسبابه
وعلاجه".
ومع ان مناسبة الخطبة
هي مستوى النجاح المنخفض جدا حسبما أعلنته وزارة التربية، الآن هذا المستوى لم يكن
سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، ذلك ان "العملية التعليمية نتاج منظومة
متكاملة مرتبطة بعضها ببعض أن نجحت نجح التعليم وإن فشلت فشل التعليم"، كما
قال ممثل المرجعية في خطبته القيمة.
والحقيقة ان وزارة التربية تمر بأزمة خطيرة،
تبدأ من عدم التوصل الى تعيين وزير (أو وزيرة) للتربية حتى الآن، ولا تنتهي بعدم
ترابط مناهج التربية بهدف حضاري واحد واسع وكبير.
تمثل وزارة التربية
واحدة من أهم وزارات البلد، لأنها الجهة المعنية بتنشئة الأجيال الجديدة، ومع ذلك فإنها
لا تحظى إلا بالقليل جدا من انتباه واهتمام أحزاب السلطة، فضلا عن ان بيانات الكتل
السياسية أيام الانتخابات لم تتضمن رؤية متكاملة للقطاع التربوي في العراق، ومنشأ
ذلك هو عدم اهتمام هذه الكتل بموضوع تنشئة الأجيال تنشئة حضارية جديدة.
ومنذ ١٥ سنة وانا
اكتب سنويا عن هذا الموضوع، لكني لم المس اهتماما من لدن المعنيين بما اكتب.
ان مسالة وزارة
التربية بحاجة الى حل مركزي شامل في إطار رؤية متكاملة لايبدو ان الحكومات
المتعاقبة في العراق منذ عام ٢٠٠٣ تملكها بوضوح.
وقد ذكرت في مقالاتي
العديدة ان الأمر يتطلب خطة أو إستراتيجية تغطي ١٢ سنة، هي السنوات التي يمضيها
المواطن العراقي في المدرسة. وقد شرحت ذلك في مقالاتي المختلفة بهذا الشأن منذ عام
٢٠٠٤.
ويفترض ان يقود هذا
الجهد وزير(ة) التربية، لكن إخضاع الوزارة الى نظام المحاصصة الحزبية على أساس
الاستحقاق الانتخابي، يجعل كل وزير تربية عاجزا عن القيام بهذه المهمة. وللخروج من
هذه الدوامة أمامنا طريقان، اما إخراج وزارة التربية من المحاصصة، أو تشكيل مجلس
اعلى للتربية والتعليم ياخذ على عاتقه القيام بهذه المهمة.
لست اعرف ايا من
الحلين أسهل من الثاني، لكني إميل الى الحل الثاني، اي تشكيل مجلس أعلى للتربية
والتعليم، من أشخاص خبراء واكفاء يؤمنون بالمشروع الحضاري الديمقراطي الحديث بوصفه
إطارا عاما للتربية ولتنشئة الجيل الجديد.
وقد بعثت بهذا
الاقتراح الى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، لكني لم اتلق اي رد منه.
وجوهر تشكيلة المجلس الأعلى
للتربية ان يكون خارج إطار المحاصصة، وانه غير مرتبط بالتغيير الدوري للحكومة،
وتكون مدة العضوية فيه ١٢ سنة على ان يتغير نصف الأعضاء كل ست سنوات.
تتحدد وظيفة المجلس بالإشراف
على/ ومتابعة المضمون في مناهج التربية خلال ال١٢ سنة التي يقضيها الطالب العراقي
في المدرسة.
(المجلس غير معني
بالجوانب المادية مثل المباني المدرسية، والتأثيث، الخ، حيث سوف تترك هذه الأمور
لوزارة التربية).
العمود الفقري
للمضمون في مناهج التربية هو أطروحة الدولة الحضارية الحديثة، التي تتكفل بتخريج
مواطن فعال وصالح في دولة تقوم على أسس المواطنة والديمقراطية والمؤسسات والقانون
والعلم الحديث. وهذه هي ركائز الدولة الحضارية الحديثة.
تستطيع الكتل
السياسية ان تختلف على شخص وزير(ة) التربية، لكن المجلس الأعلى للتربية سوف يواصل
عمله بمعزل عن هذا الاختلاف في تنشئة الأجيال الجديدة.
وبما ان تشكيل هذا
المجلس سوف يمر عبر أحزاب السلطة (البرلمان أو الحكومة)، فان من شروط نجاحه ان تتم
التشكيلة خارج أطار الصراعات السياسية والمحاصصة. فاذا تمكنت أحزاب السلطة من
انجاز ذلك بهذه الطريقة، كان بها، وان لم تستطع ذلك، فإنها سوف تقتل المشروع في
مهده.
0 تعليقات