آخر الأخبار

الزعيم المقدس






الزعيم المقدس

د. محمد إبراهيم بسيوني

هناك جنود مجهولين يحيطون بالقادة والزعماء السياسيين ويكون لهم الدور الأكبر في صنع ذلك الزعيم أو القائد فهم مجموعة من المستشارين السياسيين والقانونيين وخبراء في الشؤون الاجتماعية والأمنية ودراسات علم النفس وخبراء في فن الإعلام والبرمجية اللغوية العصبية تتظافر جهودهم مجتمعة معاً لخلق نتيجة واحدة بعينها ألا وهي صنع الأشخاص أصحاب الكاريزمات والهالات الشعبية إضافة الى صنع القرارات الهامة لأولئك الأشخاص، وهذا بدوره يعطي انطباعا عاماً لدى كافة الناس والشعب بأن هؤلاء الأشخاص والزعماء هم قادة إستثنائيون وتاريخيون بامتياز وتتم إحاطتهم بهالة إعلامية وشعبية وحالة فكرية إبهارية تضعهم في مصافي الإلهة والملائكة أو ما شابه ذلك وهذا على الحد السواء في البلاد المتخلفة أو المتقدمة ولكننا نلمس تأثيرها أوضح في بلداننا العربية حيث نجد الزعيم والقائد الاستثنائي لكل المراحل ولكل المشاكل مهما علا كعبها.
وعلى الصعيد الديني أيضا نري ذلك فاعلاً فهؤلاء المستشارين لهم دور كبير في تسويق هذا الزعيم الديني أو ذاك فأولئك الأشخاص بما لهم من حنكة اجتماعية يساهمون في خلق هالة من القدسية وحالة من التنويم المغناطيسي عبر بث إيحاءات وقصص وأخبار عن ذلك الزعيم الروحي تعطي انطباعا شعبياً بأن لهذا الشخص قيمة روحية أو أيديولوجية على الصعيد الشعبي والديني وبالتالي يجب إتباعه وسماع خطابه العقائدي بما فيه من أخطاء ومغالطات كبيرة وكثيرة لا تمت للعقل أو المنطق بصلة.

لذلك نرى المؤسسات الدينية على اختلاف توجهاتها ومشاربها تستخدم العديد من هؤلاء الأشخاص ليقوموا بالتسويق والإعلان عن الخطاب الديني بشكل احترافي لتبقى لهم المكانة الاجتماعية والدينية والتي لطالما استخدموها في امتصاص دماء البشر وعَرقهم والمتاجرة بمستقبلهم بإسم الدين والعقيدة فهم لا يجيدون إلا هذه المهنة وبالتالي بانقراضها سوف ينقرضون ويندثرون وتتحرر الشعوب المخدرة والمنومة مغناطيسياً من آفاتهم وجشعهم.

وعلى الصعيد الاقتصادي سواء محلياً أو عالمياً فإن لهؤلاء المستشارين لهم دور خفي وضبابي في رسم سياسات اقتصادية وإنتاج قرارات تعمل على خلق وقسم المجتمعات الى طبقات متناحرة بين أغنياء وفقراء وبين دول عالم متقدم وأخرى متخلفة فالقرارات الاقتصادية السلبية تعمل على تكريس سياسات الفساد والاحتكار وبالتالي التبعية والإذعان وقد تعمل من ناحية أخرى على تحريك عجلة الانتاج والاقتصاد عبر خلق وإنتاج سياسات واليات حقيقية تعمل على إيجاد فرص استثمار حقيقية وإعادة توزيع الثروة بشكل أقرب إلى العدالة الاجتماعية وبالتالي إن خط الوسط هذا يمكن أن يلعب دوراً مزدوجاً إما سلبي أو ايجابي وله تأثير وتداخل كبير مع الشق السياسي السابق الذكر.

أيضاً في الشأن الإعلامي نلاحظ دورا ً كبيراً لهؤلاء المستشارين في طريقة إيصال المعلومة إلى المتلقي أو المشاهد أي المواطن أينما كان، فبروز إعلاميين ومحطات بث عالمية ذات شعبية واسعة تصبح لها مصداقية في سبيل الحصول على المعلومة والأخبار والتحليلات السياسية هو نتيجة تخطيط وتكتيك ونظرة مستقبلية لهؤلاء المستشارين وهم اللاعبون الحقيقيون في كل مرحلة فهم بنفوذهم وتأثيرهم على كافة مفاصل الجهاز الإعلامي يستطيعون خلق أو حرف المزاج الشعبي أو الرأي العام نحو نقطة ما أو قضية ما أو حتى على مستوى التسويق لسلعة أو معلومة ما يكون لها صدى على الصعيد الشعبي والاجتماعي.

لذلك فأي عملية تطوير حقيقية يجب أن تمر فيها أي أُمة او بلد ما يجب عليها أن تعتمد علي سياسة الفكر التشاركي والعمل الجماعي فيجب على المجتمع الذي يود النهوض والتقدم الحقيقي أن يتخذ ذلك منهجاً في أدبياته وأن يسعى لخلق جيل من الأشخاص العقلانيين والموضوعيين المفكرين والذين يستخدمون عقولهم لا عواطفهم وغرائزهم في التعاطي مع الشأن العام وبالتالي يلعبون دوراً حقيقياً في خلق دولة وأمة مدنية وعادلة عبر دخولهم في كافة المجالات الخدمية التي تمس حياة المواطن العادي. وهذه العملية تتطلب إعادة رسم الذهنية التي تدار بها أية بلد أو أمة ما بإعطاء الحجم الحقيقي لكل شخص ودوره في عملية إدارة البلاد ورفع الغطاء عن كل ما هو مقدس أو محرم من كاريزمات سياسية أو دينية والتي تم تبنيها وتسويقها كنتيجة لسياسات الفساد والاستبداد الفكري والسياسي والعقائدي والثقافي والتي بدورها ساهمت في تشويه الرأي العام الشعبي وغياب المحاكمة العقلية لدى السواد الأعظم من البشر.


عميد طب المنيا السابق


إرسال تعليق

0 تعليقات