موت الغرب
د. محمد إبراهيم بسيوني
الحقيقة فان الحضارة الغربية
لا يمكن إختزالها في مقالة أو عدة مقالات، فهو بالضرورة يحتاج لتأليف كتاب ضخم
يعتمد على الحقائق بالدرجة الأساس.
فناء الحضارة الغربية ظل
يؤرقني من حيث تزاحم الأفكار وعدم القدرة على ترتيبها، الا ان وقع يدي ملخص حول
كتاب “موت الغرب” لباتريك جيه بوكانن.
كتاب موت الغرب للمؤلف
الأمريكي باتريك جيه بوكانن. وباتريك جيه بوكانن لمن لا يعرفه هو سياسي ومفكر
أمريكي معروف شغل منصب مستشار لثلاثة رؤساء أمريكيين وهو كاتب لعمود صحافي دائم في
عدد من الصحف الأمريكية، ومؤسس لثلاثة من أشهر برامج التلفزيون في أكبر قناتين
أمريكيتين إن بي سي و سي إن إن.
ألف العديد من الكتب منها (يوم
الحساب وحالة طارئة وعندما يصير الصواب خطيئة والخيانة العظمى) بالإضافة الى
الكتابان المشهوران جدا وهما (محق منذ البداية وجمهورية لا إمبراطورية) واللذان
كانا من أكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة، والكتاب الذي نحن بصدده موت الغرب.
كتاب مهم على جميع النخب في
العالم الإطلاع عليه وقرائته، وهو يبشر بموت وانتهاء الغرب والمؤلف في هذا الكتاب
ينبه الى أن الموت الذي يلوح في أفق الغرب هو في الواقع موتان (موت أخلاقي بسبب
السقوط الأخلاقي الذي ألغى كل القيم التربوية االأسرية والأخلاقية التقليدية، وموت
ديموغرافي وبيولوجي. النقص السكاني بالموت الطبيعي ويظهر بوضوح في العائلة وفي
السجلات الحكومية التي تشير الى إضمحلال القوى البشرية في الغرب، وإصابة ما تبقى
منها بشيخوخة لا شفاء منها إلا باستقدام المزيد من المهاجرين الشبان أو بالقيام
بثورة حضارية مضادة تعيد القيم الدينية والأخلاقية الى مكانتها التي كانت من قبل.
ويقول الكاتب أن الموت المقبل
مريع ومخيف لأنه وباء ومرض من صنع أيدينا، ومن صناعة أفكارنا وليس بسبب خارجي مما
يجعل هذا الموت أسوأ بكثير من الوباء الأسود الذي قتل ثلث سكان أوروبا في القرن
الرابع عشر، فالوباء الجديد لا يقتل إلا الشباب، مما يحول الغرب عموما وأوروبا
بشكل خاص الى (قارة للعجائز).
القصة ليست مجرد تخمينات أو
توقعات أو إحتمالات إنما هي حقيقة واقعة تصدمك لشدة وضوحها خاصة عندما تبدأ
الأرقام بالحديث: فوفقا للإحصاءات الحديثة هبط معدل الخصوبة عند المرأة الأوروبية
الى (1 طفل) لكل إمرأة، علما أن الحاجة تدعو الى معدل (2 طفل) كحد أدنى (فقط
لتعويض وفيات السكان الموجودين الآن..) دون الحديث عن زيادة عددهم.
وإذا بقيت معدلات الخصوبة
الحالية على ما هي عليه فإن سكان أوروبا البالغ عددهم (728) مليون نسمة بحسب إحصاء
عام 2000، سيتقلصون الى (207) ملايين نسمة في نهاية هذا القرن…أى أقل من الثلث،
وفي المقابل ففي الوقت الذي تموت فيه أوروبا لنقص المواليد، يشهد العالم الثالث
كالهند والصين ودول أمريكا اللاتينية وخاصة المسلمين إنفجارا سكانيا لم يسبق له
مثيل بمعدل (80) مليون نسمة كل عام، ومع حلول عام 2050 سيبلغ مجمل نموهم السكاني
(4) مليارات إضافية من البشر، وهكذا يصبح كابوس الغرب حقيقة وتصبح أوروبا بكل
بساطة ملكا لهؤلاء بعد وقت ليس بالبعيد.
ويقول المؤلف إن الأرقام تصبح
مخيفة أكثر عند تناولها لتشخيص مرض النقص السكاني على مستوى الدول والأمم بعد (50)
عاما من الآن، ففي ألمانيا سيهبط التعداد السكاني من (82) مليونا الى (59) مليون
نسمة (وسيشكل عدد المسنين ممن تجاوزوا ال (65) عاما أكثر من ثلث السكان)، أما
إيطاليا فستشهد تقلص عدد سكانها البالغ (57) مليونا الى (41) مليون ( وستصبح نسبة
المسنين 40% من التعداد العام للسكان)، وفي إسبانيا ستكون نسبة الهبوط 25%، وستشهد
روسيا تناقص قواها البشرية من (147) مليونا الى (114) مليون نسمة، ولا تختلف
اليابان كثيرا في اللحاق بمسيرة الموت السكاني، فقد هبط معدل المواليد في اليابان
الى النصف مقارنة بعام 1950.
أرقام مخيفة لكن السؤال المحير
لماذا توقفت أوروبا وشعوبها عن إنجاب الأطفال وبدأت تتقبل فكرة إختفائها عن هذه
الأرض بمثل هذه اللامبالاة؟
يقول المؤلف أن الجواب يكمن في
النتائج المميتة لهذه الثقافة الجديدة في الغرب والموت الأخلاقي الذي جرته هذه
الثقافة على الغربيين، هذا هو الذي صنع موتهم البيولوجي فانهيار (القيمة) الأساسية
الأولى في المجتمع وهي (الأسرة) وانحسار الأعراف الأخلاقية الدينية التي كانت فيما
مضى تشكل سدا في وجه منع الحمل والإجهاض والعلاقات الجنسية خارج ِإطار المؤسسة
الزوجية إضافة الى تبرير لا بل تشجيع العلاقات الشاذة المنحرفة بين أبناء الجنس
الواحد، كل هذا دمر بشكل تدريجي الخلية المركزية للمجتمع وأساس إستمراره وهي
((الأسرة)).
وتبدو لغة الأرقام هنا أكثر
هولا فقد ارتفع الرقم السنوي لعمليات الإجهاض في الولايات المتحدة من (6000) حالة
سنويا عام 1966 الى (600) ألف حالة عام 1976 بعد أن سُمِح بالإجهاض، واعتبرت عملية
قتل الأجنة حقا للمرأة يحميه الدستور وبعد عشر سنوات وصل الرقم الى (مليون ونصف
المليون حالة إجهاض) في العام الواحد، أما نسبة الأطفال غير الشرعيين فهي تبلغ
اليوم 25% من العدد الإجمالي للأطفال الأمريكيين.
ويعيش ثلث أطفال أمريكا في
منازل دون أحد الأبوين إما بدون الأب وهو الغالب وإما بدون الأم، وهناك مؤشر آخر
خطير فقد بلغ عدد حالات الإنتحار بين المراهقين الأمريكيين ثلاثة أضعاف ما كانت
عليه في عام 1960، أما عدد مدمني المخدرات (المدمنين وليس المتعاطين) فقد بلغ أكثر
من ستة ملايين شخص في الولايات المتحدة وحدها، وقد تناقصت كثيرا أعداد الشبان
والشابات الراغبين في الزواج طبعا في مجتمع يسمح (بالحرية الجنسية الكاملة) ويتيح
المساكنة بين الرجل والمرأة دون أي رابط شرعي أو قانوني في بيت واحد وخوف الرجل من
قانون الأحوال الشخصية الظالم إذ تأخذ الزوجة نصف ثروته في حالة الطلاق وإضطرار
المرأة للقبول بالمساكنة بدون زواج بسبب حاجتها الى رجل يقف معها ويحميها ناهيك عن
الحاجة البيولوجية.
أما قضية الشذوذ الجنسي وقانون
الزواج بين أبناء (الجنس الواحد) فقد بلغت حدا لم يكن ممكنا مجرد تخيله في السابق
فعندما انفصلت الممثلة السحاقية (آن هيك) عن صديقتها السحاقية إيلي دي هينيرس
زارهما الرئيس الأمريكي بنفسه ليقدم تعاطفه وحزنه وكانت هيلاري كلينتون أول سيدة
أولى في البيت الأبيض تمشي في تظاهرة (للوطيين) لإبداء تعاطفها مع قضيتهم ومطالبهم
المشروعة!؟
وأخيرا يخلص المؤلف للقول أن
هذه هي إحصائيات مجتمع منحط وحضارة تحتضر وتموت وأن بلدا مثل هذا لا يمكن أن يكون
حرا فلا وجود للحرية دون فضيلة ولا وجود للفضيلة بغياب الإيمان…إنتهى.
هذا باختصار شديد النقاط
المهمة في كتاب هذا الرجل (الراشد) الذي ينصح قومه نصيحة صادقة وليست نصيحة
إنشائية أو خطابية جوفاء، وإنما نصحهم بعد أن عرض عليهم وبالإحصاءات وضعهم
المأساوي مدعوما بالأدلة والأرقام.
هذه الدول التي تحارب الدين
وتدعو الى الإباحية والفساد وتحارب الدين الذي يحث على مكارم الأخلاق بقيمه
الأخلاقية الراقية في الفضيلة والعفاف والزواج الشرعي ويحث على التكاثر وعلى
الأنظمة التي تحفظ النفس والعقل والملكية الفردية وغيرها من الحصون التي تحفظ
المجتمع.
عميد طب المنيا السابق
0 تعليقات