آخر الأخبار

للتاريخ وجه آخر



للتاريخ وجه آخر
د. أحمد ديبان


ولأن التاريخ صوفية عشق لا تجلى أسرارها الا بالوصل والوجد والاقتراب ، ولأن الحقائق لا تتجلى الا بالقراءة العلمية والجدلية ، ولان صياغة وصنع أفلام ووثائقيات فى الميديا الغربى هدفها التلميع الاسطورى ، لمن يبدون وللوهلة الاولى صناع تاريخ جعلوا هذا المستعمر او ذاك يرحل ، ولكن حين نتعمق فى الحقائق ونسبرها ، نجدهم كانوا يعتلون موجات عاتية ، كانت لتكتسح هذا الغاصب ، وان تلميعهم وإبرازهم كان بمثابة الصخرة التى تتكسر عليها هاته الموجة أو تلك .
كثيرة هى النماذج التاريخية التى يطنطن المستفيدون من إرثها بعمق وعظمة دورها التاريخي ، محاولين تشتيت الانتباه عن قصور فادح فى نتائج حراكات امتطوا وهجها ، فأطفأوه.


فى مقالى هذا استعرض شخصيتين لزعامتين تاريخيتين ، فى اكبر مستعمرات الامبراطورية البريطانية قبل ان تغادرها الشمس .
المهاتما غاندى ، أو مُهنداس غاندى ، روح الهند الحية وفيلسوف الأهيمسا والساتيا جراها، حين تقترب الْيَوْمَ من أحد الهنود وتسأله متوددا ً عن المهاتما غاندى ؛ سيجيبك فى تحفظ ، انه ابو الهند ، ولكن حين تتبادل معه أطراف الحديث ، سيجيبك لقد كان سببا ً فى تقسيم الهند .
غاندى وال Ahimsa
كانت ترويجاً للاسلطوية السلمية التى تفترض مجتمعاً مثالياً لا يقيم فى الواقع دولة ما أدى لتفكك شبه القارة الهندية لدولتى الهند وباكستان .
يبقى ان نذكر ان لا عنف غاندى او الساتيا جراها ، محض لا سلطوية وان كانت سلمية لا تصنع أبداً صيغة أو اطارا للحكم ، البطل الحقيقى الذى يتوارى ، والذى اختفى عام ١٩٤٤ وغيبه حادث بِه شبهة الاغتيال من المحتل البريطاني هو نيتاجى شوندرابوس ، والذى كان يُؤْمِن بان الكفاح المسلح هو السبيل لتحرير الهند ، حاول نيتاجى والذى كان عضواً بحزب المؤتمر قبل ان يفصله غاندى ، الاتصال بالألمان واليابانيين ، كمصدر للسلاح ، ولكن تغييبه ترك الساحة خالية لغاندي وجواهر لآل نهرو ، والذى يتم كشف الحقائق يوماً بعد يوم عن شغفه بزوجة اللورد مونباتن المندوب السامى البريطاني للهند ، ما انجح المخطط البريطاني وعن طريق احد الزعامات التى وظفت الدين فى السياسة والذى كان ايضاً عضواً فى حزب المؤتمر محمد على جناح ، لتقسيم شبه القارة الهندية لدولتى الهند والباكستان .
وخلق للتمدد الهندىCheckpoint
نووى ممثلاً فى الباكستان .
ورسخت لقيام دول على اساس وخلفية قومية دينية عام ١٩٤٧م
ما مهد لقبول كيان غاصب بقومية دينية يهودية عام ١٩٤٨.
نأتى لزعامة أخرى ، تم تلميعها ، رغم ان تفاصيل دورها يبقى مختزلاً .
سعد باشا زغلول ، فلاح فوة ، والذى كان احد مؤيدى الزعيم احمد عرابى ، قبل ان يزلزله الاحتلال والقوة العسكرية الغاشمة للمحتل البريطاني ، فيقنع بعدها ان السياسة والتفاوض لا الكفاح المسلح  هو السبيل لمواجهة بريطانيا .
سعد زغلول ، نحى البطل الحقيقى لثورة ١٩١٩ عبد الرحمن بك فهمى وقائد تنظيمها الحديدى الذى قام بالتنسيق والتنظيم لكل العمليات العسكرية ضد المحتل ، بل وأوحى ان برقية سعد والتى كتبها لاعضاء الوفد ، من منفاه الفاخر فى جزيرة سيشل ، فى لحظات يأسه وان ( مفيش فايدة ) هى محض برقية مزورة مدسوسة من الانجليز وبَقى جندياً مجهولاً ، وكان آخر من افرجت عنه بريطانيا والسلطة عام ١٩٢٤ رغم وصول سعد للوزارة ، وظلت العلاقة ما بين البطل عبد الرحمن بك فهمى وسعد زغلول يسودها الفتور .


انتهت موجة ثورة ١٩١٩ بنتائج شائهة لا ترقى لزخم الحدث ، ألغيت الحماية وانتهت السلطنة تحت الاحتلال ليحل مكانها مملكة تحت الاحتلال بدستور عام ١٩٢٣ تم الإطاحة به بدستور ١٩٣٠
و لم تحكم ثورة ١٩١٩ بحزبها المعبر عنها الا شهوراً ليحدث اغتيال السردار البريطاني السير لى ستاك سردار الجيش فى السودان ويتم طرد الجيش المصرى وإقالة سعد زغلول .
المستعمر حين يجد حراكاً عاصفاً لا قبل له بمواجهته ، يقوم باختيار عنصر الحراك ، بخلفيته الفكرية او الاجتماعية ، او قابليته للضعف الإنساني ، حيث يقوم بإبرازه إعلامياً ، وتشويه العناصر الأكثر راديكالية فى التعامل معه ، بل ويسبغ عليها صفات البطولة والإنسانية والدهاء ، ويجعلها رمزاً للجماهير تحت زعم سبقها لعصرها ، وهنا يأتى التفريط ويحدث التنازل والذى يَصْب فى النهاية فى مسار الخطط والتكتيكات التبادلية للمستعمر لتحقيق نفس الاستراتيجية .


إرسال تعليق

0 تعليقات