آخر الأخبار

لون جديد من الاتجار بالبشر








لون جديد من الاتجار بالبشر

د. محمد ابراهيم بسيوني

تطوير الذات أصبح من الأمور الأساسية الآن في حياتنا وحسب الإحصائيات الحديثة فإن أكثر من 90 % من الأمراض أسبابها نفسية ونصاب بهذه الأمراض والأزمات الصحية من سوء إدارة الذات لذلك كمسئولية مجتمعية. هناك دورات عن بعد في عن تطوير الذات والثراء وغيرها. دورات محاولة الثراء وتطوير الذات وربطها بفرضيات علم النفس والطاقة وقانون الجذب؛ شعوذة حديثة تستغفل البسطاء.

‏بعد موضة البرمجة ظهرت الآن دورات بأسماء مُبتكرة؛ فهم طاقة الكون للثراء، قواعد الوجود للسعادة، كارما الحُب والثراء.

‏واحده تعيش في الخارج وتُقدم دورات عن بُعد وبرسوم تسجيل، كيف تصبح ثريًا؟ كيف تحل كل مشاكلك بقانون واحد؟ وبهذا التلاعب تربح والبسطاء يصدقون. لشدّة فاقة البسطاء وتعاسة الواقع وضعف الوعي أصبحوا يلجأون لهذه الدورات كمحاولة لانقاذ أنفسهم.

‏من الدناءة أن تكون واعيًا أو متمكنًا فتستغل حاجات الناس وظروفهم لتحقق مصالحك أكثر، على حساب مساكين. لديهم قدرة لتصفيف العبارات ودمج عدة مصطلحات رنّانة لابهار البسطاء وجذبهم، وبالتالي تمرير الهراء كقوانين علمية. ولمزيد من الجذب والابهار يُغلفون طرحهم بعبارات دينية لاستمالة عاطفة الجمهور، هو مزج بين التدين والتسويق. عادةً يبرز هؤلاء في المجتمعات ذات الظروف السيئة الفاقدة للمعرفة والحريات والحقوق، لأنها مجتمعات تعيسة ولاشعوريًا تلجأ لأي وهم يعوضها النقص. وعادةً هم لا يعيشون حياة البسطاء ولا ظروفهم، لكن يقدمون لهم النصائح الوهمية والخرافات لإبقاء واقعهم كما هو، لأن تغير الواقع يُفقدهم الربح.

‏‏باختصار؛ هي تجارة وهم مثل تجار الوعظ تمامًا، يسترزقون بحاجات البسطاء وظروفهم ليستمتعوا هُم بالحياة.

دورات السعادة والطاقة والجذب وكارما الثراء وغيرها، هُراء لا تعترف به ولا جامعة أكاديمية. هي مجرد استغلال لحاجات وتعاسة البسطاء.

السعادة يا "دكتورة" هي شعور لاإرادي ناجم عن ممارسة أفعال إرادية بحرية وكرامة، وليس هذا التزييف بتنميق الكلمات وبيعها على المسحوقين. ماذا تستفيد مُضطهدة لا تملك قرار حياتها من كل هذه السفسطة الكلامية؟ ماذا الذي تفعله دورات التخريف هذه لمعنفة بحّ صوتها واختنق.

أخيرًا، من الرُخص استغلال ظروف الآخرين لمصالحنا ولا ننطق بكلمة تعاطف ومساندة، من الانحلال أن ندعي الإنسانية ونحنُ نخدع البسطاء. تعيش حياتها بعيدًا عن الظروف التي تُحيط بالمضطهدات ثم تأتي للتنظير والنُصح الوهمي بتجاهل المسببات الحقيقية.

‏المصابون بالاحباط والاكتئاب ليسوا مرضى أو عديمي ثقة بأنفسهم، بل أناس طبيعيون جدًا وسط كومة انتهاك، ليسوا بحاجة دورات طاقة بل بحاجة لحياة.

‏مُشكلة هذه المجتمعات أنها تشبعت البؤس والفوضى لدرجة باتت تنفر من حقيقة الواقع، تُريد من يوهمها أنها بخير، وهكذا يتكسب بها خبراء الدجل.
‏متى تعون أن هؤلاء مجرد مُروجي "مخدرات" فكرية، يختلسون أعماركم وأموالكم وفُرصكم من أجل ترفهم.

عميد طب المنيا السابق


إرسال تعليق

0 تعليقات