الهجرة من أجل البقاء
د. محمد إبراهيم بسيونى
عميد طب المنيا السابق
نظراً لتوفر شروط وظروف في
مدينة القاهرة الجاذبة للسكان، والغير متواجدة في ذات الوقت في الريف، ومع التطوّر
العلميّ والتكنولوجيّ، والانفتاح الذي شمل جمع نواحي الحياة، وتحوّل العالم إلى
قرية صغيرة، أخذ الشبّان وحتّى كبار السن تكبر تطلعاتهم لبناء حياة جديدة تشتمل
على هذه التغيّرات؛ ليعايشوا التطور بكل مجالاته، وقد أدّى تطوّر وسائل النقل إلى
تسهيل ذلك.
تختلف دوافع وأسباب الهجرة إلى
المدن، منها توفّر الخدمات الصحيّة في المدن ونقصها في الريف. توفّر فرص العمل في
المدينة أكثر من توفرها في القرى؛ لتطور القطاع الصناعي في المدينة وحاجته لأيدي
عاملة بشكل كبير، كذلك ازدياد فرص العمل في الوظائف الحكومية. وتوفّر المؤسّسات
التعليميّة بأنواعها المختلفة، من جامعات ومدارس ومراكز ثقافية في المدينة. توفّر
طرق المواصلات بشكل ممتاز في المدينة؛ مما يتيح تنقل السكان إلى الأسواق وأماكن
العمل بسهولة ويسر.
في بدايات عهد الثورة كان
المهاجرون إلى القاهرة يمثلون صفوة أبناء الريف والأقاليم الذين كانوا يفدون إلى
القاهرة لتلقى العلم في جامعاتها (القاهرة، عين شمس، والأزهر) على أمل العودة إلى
بلادهم بعد ذلك ثم تستقر نسبة كبيرة منهم في القاهرة وهؤلاء منهم من ساهم في نهضة
مصر وهم من قادة هذا الوطن ورجالاته. بالإضافة إلى هجرة النخبة، فقد قصد القاهرة
أعدادا كبيرة من أبناء الريف الذين هجروا الزراعة وإلتحقوا بالعمل في المصانع التى
أقامتها الثورة في عهد التصنيع، ولعل أكبر مثال على ذلك هو مدينة حلوان وضواحيها
التى تكونت من خلال هجرة العمالة الريفية إليها حتى تحولت من ضاحية أرستقراطية إلى
أكبر تجمع عمالي جنوب القاهرة.
مع الزيادة السكانية الرهيبة
وترهل الجهاز الإداري في الدولة وانتشار البطالة وتدهور أحوال التعليم والأحوال الاجتماعية
في الريف وفى محافظات مصر المختلفة وتقلص الرقعة الزراعية استمرت الهجرة إلى مدينة
القاهرة ولكن اختلفت نوعية المهاجرين اختلافا تاماً فبدلا من استقبالها لصفوة
أبناء الريف الذين كانوا يقصدونها لتلقى العلم في جامعاتها فإنه من الملاحظ خلال
العقود الماضية أنه قد حدث تحولاً كبيراً في نوعية هؤلاء المهاجرين حيث أصبحت
العاصمة تستقبل سيلاً من العاطلين من الأميين ومن حملة الشهادات المتوسطة وبعض
حملة المؤهلات العليا للعمل في الأعمال الدنيا التى يوفرها القطاع غير الرسمى في
اقتصاد العاصمة، وتتركز أعمال هؤلاء المهاجرين في مجالات العمالة غير الماهرة في
قطاع المقاولات والباعة الجائلين وعمال المقاهى والعديد من الأعمال الأخرى
الهامشية. الدافع الأساسي للهجرة هو عوامل الطرد في محافظات المهاجرين والمتمثلة
في ارتفاع معدلات البطالة وصغر حجم القطاع غير الرسمى في اقتصاديات هذه المحافظات.
أما عوامل الجذب في المحافظات المستقبلة للمهاجرين، القاهرة الكبرى، فتتمثل في
تركز كبير للأنشطة الاقتصادية والمالية في القاهرة وكذلك الطفرة الكبيرة التى
شهدها قطاع البناء والمقاولات في الفترة الأخيرة والانحسار التام لهذا النشاط في
المحافظات بعد قرار حظر البناء على الأراضي الزراعية. إن هجرة هؤلاء الشباب إلى
القاهرة ليست هجرة اختيارية كما يتخيل البعض ولكنها هجرة من أجل الحصول على أدنى
مقومات الحياة.
0 تعليقات