آخر الأخبار

مصر مشكلة سكان أم مشكلة تنمية؟!



مصر مشكلة سكان أم مشكلة تنمية؟!


د. محمد إبراهيم بسيونى
تعتبر المشكلة السكانية في مصر أم المشاكل وبسببها تتعرض لازمات اقتصادية واجتماعية.
 وفقا لإحصاءات رسمية، بلغ نمو السكان في مصر من عام 1990 إلى عام 2008، 23.7 مليون (41%). وفي عام 2020، من المتوقع أن يكون النمو بنسبة 20% اخري، وأن يصل عدد السكان في البلاد إلى 153 مليون نسمة مع حلول العام 2052.


تتعالي بعض الأصوات وتقول أن المشكلة في مصر هي أزمة تنمية وليست أزمة سكان ولكني أميل الي الرأي القائل بأن المشكلة هي مشكلة سكانية تنموية إلا أن ذلك لا يمنع من القول بأن مصر مازالت تعاني أزمة سكانية كبري لعقود قادمة.
الانفجار السكاني يقصد به الارتفاع الهائل في النمو السكاني في منطقة ما مقارنة بما هو موجود من الموارد المائية وموارد الغذاء، وهذا يؤدي إلى إحداث خلل في المجتمعات الإنسانية التي تعتمد على هذه الموارد، وتؤثر هذه الظاهرة بشكل أو بآخر على مستقبل السكان الذين يعيشون في تلك المناطق، وهناك العديد الأسباب التي تسهم في تشكلها لتكون مؤثرة على كافة القطاعات التي تتصل بالإنسان وما يحتاج إليه في هذه الحياة. في الوضع الطبيعي تكون هناك حالة توازن بين أعداد المواليد وأعداد الوفيات في مجتمع ما، لكن حدوث خلل في هذه المعادلة يؤدي إلى التأثير على التوازن الذي يجب أن يحدث في المجتمعات الإنسانية، وهناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة. ومن أهم أسباب الانفجار السكاني في مصر
- الزواج المبكر من أهم أسباب الانفجار السكاني، حيث يرتبط الزواج المبكر بزيادة عدد الأبناء الذين يتم إنجابهم في الأسرة الواحدة نظرًا لطول فترة الزواج المتوقعة، ولزيادة الخصوبة في سن الزواج المبكر.
تحسن الصحة العامة وهو مفهوم عام يعكس مدى التطور التكنولوجي الذي شهده القطاع الصحي، والذي أدى إلى تراجع أعداد الوفيات نظرًا لمستوى الرعاية الصحية المتخصصة التي يحظى بها المرضى، الأمر الذي ساهم في علاج العديد من الأمراض التي كانت تحصد الأرواح البشرية، وتسهم بشكل أو بآخر في إحداث التوازن بين أعداد المواليد وأعداد الوفيات.
الجهل فمن الضروري أن يرتبط الزواج بالمسؤولية، وأن تبنى العلاقة الزوجية من خلال وجود شريكين متفاهمين ومثقفين، وأن يكونا قادرين على تنظيم النسل بما يتوافق مع مصادر الدخل المتاحة، والموارد المتوافرة ضمن البيئة التي يعيشان فيها، وإذا تُركت عملية الإنجاب دون محددات أو تنظيم فإن هذا ينتج عنه وجود عدد كبير من الأبناء، ما يتسبب في إحداث خلل في التوازن بين عدد المواليد وعدد الوفيات، وهذا ما يجعل الجهل من أسباب الانفجار السكاني.
هذا الانفجار السكاني له بعض التأثيرات المباشرة على المجتمع، فكل مولود يحتاج إلى الرعاية والاهتمام، وتوفير متطلبات الحياة التي لا تنتهي، من زيادة الضغط على السلع والخدمات، شدة الازدحام في وسائل النقل وفي مختلف المرافق العامة، زيادة نسبة البطالة على المدى البعيد لعدم إمكانية توفير فرص عمل كافية، وتدني مستوى الرعاية الطبية التي يحظى بها الناس بسبب عدم تأمين كافة متطلبات الرعاية الصحية.
إن جهود مواجهة المشكلة السكانية في مصر ليست وليدة اللحظة إنما قد بدأت في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتوجت في العام 1985 بإنشاء المجلس القومي للسكان ليضطلع بوضع السياسة القومية الوطنية للسكان وقد أدرك العاملون في حقل السكان في مصر أن الزيادة السكانية في مصر لا تتمثل فقط في زيادة أعداد المواليد وإنما في سوء التوزيع الجغرفي للسكان علي خارطة مصر وكذلك تدني الخصائص السكانية وعلي رأسها إرتفاع معدلات الأمية وإرتفاع وفيات الرضع والأطفال وتدني مؤشرات الصحة العامة. وقد قامت ركائز السياسة السكانية علي هذه المحاور الثلاثة: إرتفاع معدلات المواليد، الخلل في توزيع السكان وتدني الخصائص السكانية، إلا أن الإهتمام العام في وسائل الاعلام دائما ما كان يصور المشكلة السكانية علي أنها زيادة عددية فقط وهو ما يجافي الحقيقة ويتناسي عنصر الكثافة السكانية، والأهم من ذلك عنصر الجودة متمثلا في الخصائص السكانية.
نعم مازالت مصر تعاني من إنفجار سكاني ومشكلات تنموية وإقتصادية معا. إن مصر تزداد كل عام بمقدار اثنين ونصف المليون نسمة وهو عدد كبير لا تستطيع معه إمكانات الدولة توفير المأكل والملبس والتعليم وفرص العمل المناسبة، أضف الي ذلك أن التركيبة السكانية تميل الي صغار السن حيث أن أكثر من 35 بالمائة من عدد سكان مصر البالغ مائة مليون نسمة تحت العمر 15 سنة، أي أنهم مستهلكون وليسوا منتجون ومعظمهم في المراحل التعليمية المختلفة. أضف الي ذلك أن معدل الخصوبة، عدد الاطفال لكل امرأة في المتوسط، يساوي ثلاثة وهو معدل مرتفع إذ ما قورن بمعدلات النمو الاقتصادي. الأهم من ذلك ونظرا للتكوين الفتي للهرم السكاني في مصر فإن خفض هذا المعدل وكبح جماح النمو السكاني سوف يكون أكثر صعوبة في المستقبل نظرا لأن أمهات المستقبل قد ولدن بالفعل وأن هناك أعدادا هائلة سوف تدخل سن الزواج كل عام وهو ما يسمي بقوة الدفع الذاتي للسكان Population Momentum وهو ما سيؤدي إلى إستمرار أعداد السكان في الزيادة حتي لو إستطعنا خفض معدل المواليد الي طفلين لكل امرأة.

أما من ناحية توزيع السكان فانه لا يخفي علي احد أن مصر واحة كبيرة يعيش معظم سكانها حول نهر النيل. وعلي الرغم من محاولات الحكومة المصرية لتشتيت الفائض السكاني ودفعه للسكني في المدن الجديدة التي أقامتها في الصحراء إلا أن هذه المدن لم تستوعب القدر الكافي من السكان الذي يمكن أن يحدث خلخلة كبري للكثافة السكانية في الوادي والدلتا. حوالي 95 ٪ من سكان مصر البالغ عددهم مائة مليون نسمة يعيشون على ضفاف النيل وعلى طول قناة السويس. هذه المناطق هي من بين أكثر مناطق العالم اكتظاظا بالسكان، وتحتوي في المتوسط على حوالي 1,540 شخص لكل 2 كم مقارنة بمعدل 96 نسمة لكل 2 كم وهو المعدل لمصر ككل.
أما البعد الثالث للمشكلة السكانية وهو تدني الخصائص السكانية فانه يمثل إنعكاسا حيا للمشكلات الاقتصادية التي تعانيها مصر من جراء النمو السكاني وعدم إرتقاء خطط التنمية للوفاء بحاجات المواطنين، وعلي الرغم من أن الحكومة قد خطت خطوات كبيرة تجاه تحسين صحة الام والطفل ودعم الخدمات الصحية الأساسية إلا أن الخدمات التعليمية قد تأثرت كثيرا وليس أدل علي ذلك من أن معدلات الأميّة مازالت مرتفعة وبخاصة بين الإناث. وخلاصة القول أن مصر تعاني من مشكلة سكانية مزمنة وكذلك من مشكلات تنموية وإقتصادية وكلاهما يؤثر ويتأثر بالآخر.


عميد طب المنيا السابق


إرسال تعليق

0 تعليقات