الشيخ الزيدى فى وداع الملا الحميداوى
الشيخ عبد الهادى الزيدى
منذ أكثر من عشرين سنة
والملا (رحمه الله) كان يرافقني في كل صغيرة وكبيرة، حيث كنا نسكن العاصمة بغداد،
فهو من مواليد محافظة ميسان جنوب العراق، بالتحديد في منطقة سيد احمد الرفاعي
المتاخمة لمحافظة ذي قار، وكان أبوه الشيخ ناصر الملا كبير إخوته وشيخهم، وعرف
بتدينه لذا أطلق عليه الملا فكان في عرف أهل الجنوب يطلقون هذه اللفظة على
المتدين، في الوقت الذي كان الناس يعيشون الجهالة الا القليل، وانتقلت هذه الصفة
لولده المغفور له وقد جسدها قولا وفعلا وكان خير خلف لخير سلف. انتقلت عائلته الى
بغداد كما هو حال الكثير من العوائل الجنوبية ليستقروا في الدواسر القريبة من
منطقة الفضيلية.
ومنذ نعومة أظفاره عمل مع
الحركة الإسلامية في توزيع المنشورات الرافضة للطواغيت والداعمة لحركة الشهيد
الصدر الأول (قدس سره)، وحاولت أجهزة الأمن ان تلقي القبض عليه أكثر من مرة إلا
انه كان ينجو منهم بأعجوبة حتى انه اختبأ ذات مرة في برميل مخصص لجمع النفايات
لينجو بنفسه. لم يكن يرغب في العمل مع الدولة كموظف وفضل العمل الحر وان كان يعاني
من شحة الموارد الاقتصادية وبقي على هذا الحال الى وفاته.
وعلى مدى هذه السنين لم أجده يفضل قضية خاصة على حساب
انشغاله بالحراك الإسلامي ولم أجده مهتما الا بكيفية نصرة مرجعيته الواعية، فقد
واكب الفقيد حركة مرجعية الشيخ اليعقوبي منذ بدايتها، فكان شجاعا قويا لا تأخذه
بالله لومة لائم يواجه كل المصاعب بعزم لا يلين، وكان واعيا لقيادته ومستعدا
للتضحية بالغالي والنفيس من اجل إعلاء كلمة الحق وان كلفه حياته.
ولم يقتصر على نفسه بل انه جعل عائلته كلها على
نسقه نفسه، فهي عائلة تغذت وتربت على الولاء للقيادة الواعية ولمن تنوبهم.
عاد بعد سقوط النظام الى
مسقط رأسه في محافظة ميسان في قضاء الميمونة، على الرغم من قلة فرص العمل في ميسان
إلا انه كان يعير اهتمامه الأول لكيفية توعية الشباب وتحريكهم بالشكل الذي تريده
مرجعيته، فبات ملاذا لكثير من الشباب ومثل لهم الأب الحنون والصديق الصدوق، كما
انه تحرك على بعض الأرياف التي لم تصلها الحركة الإسلامية الواعية فاحترموه وحبوه
وأصبح حلقة وسيطة بينهم وبين المرجعية. قلنا انه كان يعاني من شظف العيش وقلة
المصادر الاقتصادية الا انه لم يبين للآخرين ما كان يقاسيه، فكان أولاده البررة هم
من يشاركونه صعوبة الحياة وقساوتها. فلم أر منه تقاعسا أو تهاونا في أداء تكليفه
بناء على قلة ذات اليد. وحينما ترك السكن في محافظة ميسان خسره الكثير وظل الكثير
منهم يتواصل معه لما تركه من أثر طيب في عقولهم ونفوسهم. انتقل الى محافظة كربلاء
التي مثلت محطته الأخيرة ولم تمنعه غربته او حداثته على المحافظة من الركون الى
الدعة والسكون، بل ظل كما عهدناه سابقا عاملا متحركا الى ان تعرض لمرضه الذي خطفه
منا وهو الفشل الكلوي. حتى وهو على فراش المرض فانه يتابع ويناقش وينشر ويدعم جهة
الحق.
على الرغم من انه يكبرنا سنا وبعض من تعاملوا معه الا
انه لم يكن يشعر المقابل بهذا الفرق العمري بينه وبين الآخرين، فهو يحترم الصغير
والكبير ولم أجده الا طائعا للأوامر والتوجيهات التي تصدر اليه، ولم يتوان او
يتذمر من عمل او تكليف. فقد رافقني في جولاتي على المحافظات الجنوبية والوسطى،
فتحمل التعب والإجهاد ومفارقة عياله لأيام وليال، وكان إذا داهمه النعاس فانه ينام
في أي مكان وعلى أي شيء، كنت انظر اليه حينما يخلد الى النوم مجهدا أرى فيه صلابة
الشاب وبراءة الطفل وحكمة الشيوخ.
والحقيقة أقولها إننا خسرنا رجلا عاملا مثابرا وأخا
مخلصا وابنا بارا لم يترك لنفسه شيئا من حطام الدنيا بل كان همه الأوحد نصرة الدين
والمذهب والقيادة الواعية.
فرحمه الله بواسع رحمته وأساله تعالى ان يكون محلا لشفاعة
أهل البيت (عليهم السلام) وقيادته الواعية وان يرينا بأبنائه الخلف الصالح
ليواصلوا مسيرة أباهم ويلهمهم الصبر والسلوان، وان يعطينا الصبر لفراقه فان له في
القلب مكانة رفيعة ومعزة خاصة.
0 تعليقات