راسبوتين
خالد الأسود
فلاح سيبيري عاش في بدايات
القرن العشرين عُرف في قريته أنه محترف سرقة جياد..
رجل له عينان متوحشتان، يجيد التنويم المغناطيسي، اشتُهر في القرية أن له قدرات خارقة: يستطيع شفاء حصان مريض بلمسة من يده ..
اللحظة الفارقة في حياة مشعوذ القرية كانت عندما اضطر أن يهرب من القرية بعد اتهامه بسرقة جواد، تجول في البلاد هائما على وجهه، قضى فترة في أحد الأديرة واكتسب من تلك الفترة اسم الراهب..
التقت ميول الراهب الزائف
بتعاليم طائفة دينية شاذة ( خاليستي ) تؤمن بالإثم والتطهير: ينخرطون في ممارسات
جنسية فاجرة لدرجة الجنون، ثم يمارسون التطهر بتعذيب أجسادهم وجلدها..
فكرة الوصول لله عن طريق الإثم
كانت جديرة أن تمنح لص الجياد ذا الشهوة الجامحة طريقا جديدا في حياته القادمة..
زعمت اعتماد خورشيد في
مذكراتها الفضائحية الشهيرة أن صلاح نصر كان من المؤمنين بتعاليم تلك الفلسفة.
وصل راسبوتين للعاصمة الروسية
موسكو تسبقه سمعة أسطورية كرجل يصنع المعجزات، تعرف على القيصر نيقولا آخر قياصرة
روسيا و زوجته الإمبراطورة إلكسندرا.. كان ابنهما يعاني من مرض سيولة دم وراثي
وتعرض لنزف مستمر عجز الأطباء عن إيقافه تماما لدرجة أن القصر أعد بيانا ينعى فيه
ولي العهد استعدادا للحظة وفاته التي يتوقعها الأطباء..
استطاع الراهب الأسطوري ذو
العيون المتوحشة بطريقة ما أن يصنع إحدى معجزاته، يُشفي الأمير الصغير ( يقال إن
راسبوتين استخدم التنويم المغناطيسي و قلل عدد نبضات قلب الأمير فتحكم في سيولة
الدم وتوقف النزف )
يصبح راسبوتين الرجل الأقوى في
الدولة و المستشار المقدس الذي لا ترد له كلمة عند نيقولا و إلكسندرا، بكلمة منه
يتم تعيين وعزل الوزراء، فُتحت له خزائن الدولة يتصرف فيها كما يشاء، بذل له
الجميع الرشاوي والهدايا..
الرجل القوي يستفز بنفوذه
نبلاء روسيا وسائر أفراد الأسرة الحاكمة، ويرون أن نفوذ هذا الراهب الريفي القادم
من صفوف عوام الشعب ضياع للإمبراطورية .. حياته تنتهك كل التقاليد القيصرية، يرونه
قوة غاشمة جديدة تسلبهم نفوذهم وامتيازاتهم وحتى نساءهم.
يمارس الفاجر ( ترجمة كلمة
راسبوتين ) حياته العجيبة كعاهر مقدس يتحدث باسم السماء، تعززه معجزات خارقة ..
يستبد بالدولة، ينهب خزائن الإمبراطورية ببجاحة المقدسين.. يفجُر بالأميرات
والفلاحات ..
يعيش راسبوتين حياة ماجنة
حافلة بالجنس والخمر وأموال الإمبراطورية.
ينجو الراهب من محاولات اغتيال
عديدة، منها محاولة إحدى العاهرات أن تقتله بسكين وتكاد تنجح لولا الأطباء ينقذون
الراهب الشيطاني الذي يصر أن تُجرى له العملية الجراحية بدون بنج أو مخدر؛ لا يأمن
أن يسلم جسده لأحد وهو غائب عن الوعي، جسده الخارق يتحمل الجراحة وتخييط الجرح..
تستمر محاولات الاغتيال
الفاشلة، ينجو دوما بسبب حذره أحيانا، وبسبب جسده غير الطبيعي أحيانا..
في النهاية يستدرج مجموعة من
الأمراء راسبوتين لقصر منعزل، يسقونه في الفودكا الروسية سم السيانيد بكميات تكفي
لقتل ستة رجال أشداء..
يشرب راسبوتين الفودكا
المسمومة ولا يتأثر جسده الخارق، لا تظهر عليه أية مظاهر ضعف، بل يشعر باعتدال
مزاجه و تتفتح شهيته للجنس ..
يطلقون عليه الرصاص، يتلقى
الجسد العملاق وابلا من رصاص المتآمرين، ولما اعتقدوا أن راسبوتين مات يُفاجأون
بالراهب الأسطوري ينهض و يجري خلفهم..
يتملك الأمراءَ ذعر مجنون،
يواصلون ضربه بالرصاص والركلات في وحشية .. أخيرا يسقط راسبوتين صريعا، يقيدونه
بسلاسل حديدية، يلقونه في النهر المتجمد مقيدا مثخنا بالجراح غارقا في دمائه.
بعد عدة أيام يكتشفون الجثة
وقد طفت فوق سطح النهر..
المفاجأة لم يمت بالسم ولا
الرصاص ولا الضرب المتوحش.. نجا من كل ذلك، بل استطاع فك قيوده ولكنه لم يستطع أن
يخرج من المياه المجمدة و مات غرقا.
العجيب أن راسبوتين تنبأ بموته
وأنه سيموت مقتولا بيد حاشية القيصر، وحذر القيصر أنه لو قُتِل بيد أمراء الأسرة
الحاكمة فلن تمضي سنتان قبل أن ينتهي حكم القياصرة في روسيا، وأن القيصر نفسه
سيموت وكل أفراد الأسرة الحاكمة..
وكما تنبأ الراهب، لم تمض
سنتان إلا وقد تم ذبحو إعدام آخر قياصرة روسيا وجميع أفراد أسرته في الثورة
البلشفية 1917
0 تعليقات