آخر الأخبار

شيخ محمد سند... ومنهج التشكيك




شيخ محمد سند... ومنهج التشكيك


عز الدين البغدادي
معروف عن الشيخ محمد سند رفضه الشديد لمنهج السند لكونه يؤدي الى نتائج لا يرضى بالتسليم بها، وإصراره على التعامل مع المتن ليأخذ من الحديث ما يوافق رأيه وتوجهه المعروف بالغلو.

وبما يتعلق بواقعة ألطف فإنه يرى بأنّ معظم ما روي عنها هي روايات ضعيفة من حيث السند، وهذا ليس موقفه فقط، بل هو ما يذكره كثير من العلماء شفويا أو كتابة.

وهذا بالتأكيد ليس موقفا علميا فقط، بل هو موقف له أهداف محددة أو يؤول إليها. وهو أيضا موقف غير صحيح يرجع الى تخلّف المنهج التاريخي في معظم المدارس الدينية المذهبية التي تتعامل مع التاريخ من منطلق مذهبي.

وهذا موقف خاطئ لأنّ الحديث والتاريخ علمان متمايزان، لذا فإن من الطبيعي أن تختلف مناهجهما. وذلك أن مناط قبول الحديث – من حيث الأصل- هو اعتبار سنده، وأما التاريخ فإنه يعتمد في قبول الرواية على الشهرة وإمكان قبول الخبر بسبب ما يحتف به من قرائن، ولو لم يأخذ المؤرخون إلا الصحيح لما كان هناك علم تاريخ أصلا، وبالتالي فلو أخذنا بالسند لضاعت معظم معطيات التاريخ.

كما إن هذا الطرح يتبناه فريقان:

 الأول: يشكّك في كثير مما يروى مع ادعاء أنّ ما يروى من حوادث أمور مبالغ فيها ولا يمكن إثباتها، وأنها مجرّد أكاذيب، وهو معسكر يحاول بشكل أو بآخر أن يبرأ يزيد من جريمته، فمثلا زعم ابن تيميّة أنّ سبي نساء أهل البيت كذب وانه لم يقع قط، كما إنّ هناك من قال بأنّ يزيد لم يأمر بقتل الحسين، وأنّما ما روي في ذلك لم يثبت.

وأما الفريق الآخر، فهو يحاول أن يبرّر ما دون في العصور المتأخرة من أكاذيب تتعلق بهذا لحدث، بحيث إذا أنكرت شيئا مما روي في بعض الكتب التي شاعت وانتشرت رغم ضعفها مثل "المنتخب" و"الروضة" "وأسرار الشهادة" و"الدمعة الساكبة" وغيرها؛ فإنه سوف يقول لك: وما هو المصدر المعتبر؟ إذا كان مقتل أبي مخنف هو أفضل ما لديك، فهو ضعيف ورواياته مرسلة وما إلى ذلك مما لا يقصد منه إلا تبرير الكذب.
وإذا وقفنا عند أهم مصدر تاريخي دون الحادثة وهو كتاب أبي مخنف، فمن المؤكد أنّ أبا مخنف مؤرخ مهم لا يمكن طرح رواياته لترّهات ممن لا يميز بين الحديث والتاريخ في المنهج، وهو ما أقر به حتى ابن كثير على تعصبه، حيث قال: وقد كان شيعيّا، وهو ضعيف الحديث عند الأئمة، ولكنّه أخباري حافظ، عنده من هذه الأشياء ما ليس عند غيره.

كما نقل ابن النديم عن أهل العلم بأن أعلم الناس بأخبار العراق أبو مخنف.
كما قال عنه النجاشي: شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم، وكان يسكن إلى ما يرويه.

ويقصد بأصحاب الأخبار المؤرخين، وهذا وصف هام جدا يبين علو منزلته، وليس فيما قاله النجاشي دليل على تشيعه –كما توهم البعض- لأنّ النجاشي ذكر كثيرا من العامة في كتابه كما لا يخفى.

بل ان دعوى تشيعه هو تدليس مقصود من الأطراف الأخرى (السلفيّة) ليسقط روايته من الاعتبار، ولم يذكر أي أحد دليلا على تشيّعه، بل ذكر نفى ابن أبي الحديد ذلك، فقال: وأبو مخنف من المحدثين وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار وليس من الشيعة ولا معدودا من رجالها.
كما أكد ذلك الشيخ المفيد في كتابه عن حرب الجمل وقد أورد أخبار حرب الجمل عن أبي مخنف والواقدي وغيرهما وقال بعدها بأنه أورد في هذا الكتاب ما روي عن رجال العامة دون ماروته الشيعة.

ومما يعطي اعتبارا أكبر لروايته أنّ الرجل ولد سنة 57 هـ ، أي قبل الواقعة بأربع سنوات. كما إنه عاش في الكوفة أي قريبا من موضع الحدث بحيث كان قادرا على تحصيل معلومات أكبر وأكثر دقّة لا سيما عن حادث جلل كيوم ألطف. كما إنه روى عن أشخاص شهدوا الواقعة، أو عن أشخاص سمعوا ممن شهدها. كما إنّ من الصعب أن تجد خبرا منكرا عند أبي مخنف، نعم فيما بعد ظهرت أمور أبعد عن القبول والتصديق لاسيما من ابن طاووس وما بعده.

لذا، فأنا أعتقد أنّ السابق في التدوين يمكن أن يكون حجّة على من بعده، ولا يمكن أن أساوي بين ما رواه أبو مخنف وما رواه الدربندي في كتابه المملوء بالأكاذيب "أسرار الشهادة" بدعوى أنك إذا قبلت ما روى أبو مخنف فلا بدّ أن أقبل ما رواه الدربندي لأنّ كلاّ منهما روى الخبر مرسلاً، بل من باب أولى أن أقبل ما رواه الدربندي لأنّه من أهل العلم.

هذا غير صحيح، بل الصحيح أنّ أبا مخنف حجّة على من بعده إلا إذا وجدت أخبار من مصادر أخرى يمكن أن تقبل، لذا فإنّ من المهم اعتماد المصادر القديمة التي لا يعرف صاحبها بكذب ولا يعتمد روايات الغلو والغلاة.


إرسال تعليق

2 تعليقات

  1. جميل ....لكن كملاحظة عامة , ليس كل التأريخ علم, التأريخ ادب ..التأريخ المعتمد على الأدلة الأركيولوجية هو علم التأريخ.

    ردحذف
  2. كلام صحيح ولكن ليس كل المنحوتات او الاثر هى فقط علم التاريخ

    ردحذف