قوة الدولة والفصل
بين السلطات
د. محمد إبراهيم بسيونى
عميد طب المنيا السابق
تهتم الدولة المعاصرة الأكثر تقدما بأن يكون سكانها هم مصدر السلطات، مصان
حريتهم الفردية وملكيتهم الخاصة ويتمتعون بالعدالة والمساواة والمشاركة الإيجابية،
وألا يكون هناك من هو فوق القانون ويعتبرون الموظف العام خادم للشعب وخاضع للنقد
والرقابة بكل أنواعها (شعبية، برلمان، أجهزة متخصصة مستقلة). تهتم بفصل السلطات
الأربعة كحجر الزاوية للبناء المؤسسي والحرص علي عدم تغول السلطة التنفيذية علي
التشريعية والقضائية والإعلامية شرط أساس وضمان لحسن سير الدولة.
في كيميت القديمة كان هناك حاكم محلي لكل إقليم ونظام ضرائبي وقانون
ومحاكمات عادلة وتقاليد ترفع من شأن المرأة وتحض علي أن يحترم الصغير الكبير ورغم
إحتفاط كل جماعة بمنظومتها الدينية إلا أن (كائناتهم المقدسة) كانت تعيش متجاورة
في تسامح وتفهم مما أكسب الكيمتيون مرونة إستيعاب الأخر وقبوله ودمجه في منظومة
قيم متحضرة.
لمصريون لم يثوروا من أجل التغيير بقدر ما كانوا ينتفضون من الظلم يصخبون
ويدمرون ثم يعودون لما كانوا عليه.
كانت الانتفاضة تأتي عادة كرد فعل لزيادة مقدار الضرائب (علي المحصول .. والضرع
.. والزواج والطلاق .. ألخ ) فلقد كان النظام الذى قرره الأجداد متوازنا لدرجة أن
يبق للمزارع أو الصانع أو التاجر ما يكفيه لإعادة دورة الإنتاج وفي نفس الوقت يضمن
تحصيل ضرائب تسمح بإجراء الإصلاحات اللازمة لإستمراره فإذا ما زاد حجم الجباية أدى
هذا لجوع الناس وتذمرهم وإذا ما إنخفض المحصول أصبح السبب في مضاعفة الجور وعنف
الجباية وظلم مبين.
المصري ينتفض عند إختلال الإتزان الاقتصادي، انتفض ضد ملوكه وضد الفرس
والرومان والعرب والعباسيين وعشرات المرات ضد المماليك والأتراك والفرنسيين
والإنجليز والسادات ومبارك وفي كل مرة كان السبب هو الجور وإفتقاد عدالة الجباية
وفظاعة طرق التحصيل وفي كل مرة لم يتغير الموقف إلا في حالتين مع إنتفاضة (أحمس) وطرد
الهكسوس في نهاية الأسرة السابعة عشر وأخرى مع أبسماتيك الأول 610 ق.م ضد
الأشوريون في الدلتا والإثيوبيون في الصعيد وإنهاء حكمهم.
الدكتور جمال حمدان شخص المشكلة بصورة تقترب من الواقع بحيث أنها لازالت
قائمة بعد ربع قرن من مغادرته (1993) و بالتالي فالعلاج هو تطويع ذلك النظام
الراسخ ليصبح معاصرا تحويل الإستبداد الشرقي ليكون ديموقراطية تحويل الحاكم من
متسلط علي الشعب إلي واحد منهم يتم إختياره وتغييره ومحاسبته وتقييمه بواسطة
المحكومين. فإذا ما كان مطلوب بناء دولة جديدة تكسر إستمرارية النظم وتخرج إلي نور
معاصرة لابد ان يكون هناك شفافية فى اختيار الوزراء، والتفكير فى الرجل المناسب
للمكان المناسب، وإحاطة الرأي العام بأسباب خروج هذا والاستعانة بذاك فيكون ذلك
مريحاً للرأي العام، ودافعًا لنجاح الحكومة.
0 تعليقات