مينا ليس حنظلة
خالد الأسود
فترة ماقبل الإسلام أطلق عليها المؤرخون تسمية العصر الجاهلي، قاصدين
بالجاهلية صفات الطيش والحماقة والعدوان والعصبية..
لم يعرف العرب في تلك الفترة الجاهلية مفهوم الوطن، كان انتماؤهم للقبيلة،
يتعصبون لها وحدها غوت أو رشدت، ظَلمت أو ظُلِمَتْ..
جاء الإسلام وتلك الجاهلية القبلية مستقرة تحكم الفرد والجماعة وحياتهم
كلها..
أسس الرسول دولته متخطيا المفهوم القبلي وأصبح الانتماء للعقيدة التي تجمع
المسلمين في وطن واحد.
أمة المسلمين أصبحت مضادة لقيم القبيلة المستقرة التي تقوم عليها المجتمعات
الجاهلية، اعتبر العرب الإسلام تهديدا مباشرا لحياتهم المستقرة فيه تهديد لمصالحهم
الاقتصادية وقيمهم المجتمعية، اجتمعت كلمتهم جميعا أن رسالة محمد ص ثورة ضد وجودهم..
عاش المسلمون في خوف، كانوا يعلمون أن كل من حولهم يترصدهم بالقتل متعطش
لدمائهم، حياة المسلمين بعد الهجرة كانت حياة الخوف.. الرجل يقبض على سيفه نهارا
وليلا، يبيت به متوجسا الهجوم الدموي على المدينة كل لحظة..
وعدهم القرآن أن يبدل خوفهم أمنا، وعدهم الرسول أن تخرج المرأة من العراق
للبيت الحرام آمنة في جوار وحماية أمن الإسلام وحده..
تحقق وعد الله ورسوله بعد بضع سنين.
في تلك الفترة كان الآخر الكافر بالرسالة عدوا متربصا، كان الكفار أمة
والمسلمون أمة أخرى..
الصراع بين الأمتين صراع وجود، أمة الكافرين فيها الأهل والحلفاء السابقون،
شدد الإسلام على تجاوز الانتماءات القبلية القديمة وأكد على الانتماء لرابطة
الدين، صار الدين وطن هؤلاء المهاجرين.. وأولئك الكافرون هم عدو يحيط بالدولة
الناشئة ويترصدها..
صلابة أولئك النفر من صحابة الرسول تبهرنا، صمودهم وانتصارهم معجزة سياسية
حققها بشر تجاوزوا في لحظات ضعفهم وأشواقهم الإنسانية في سبيل ما آمنوا به.. قيادة
الرسول لهؤلاء الرجال تثير العجب والإعجاب حقا.
في هذا التاريخ نشأت مفاهيم جديدة، مفهوم الدين كوطن ينتمون إليه بديلا عن
الانتماء القبلي.
مفهوم الكافر العدو، حينما كان كل من ليس مؤمنا بالرسالة عدوا متآمرا
متربصا..
غزوات وحروب النبي الدفاعية أو الاستباقية كانت لتأمين هؤلاء المسلمين
المطلوبة دماؤهم من كل أهل الجزيرة العربية، طبيعة العصر فرضت الحرب فكان الجهاد
وإلا الإبادة.. جاهدوا وحموا حيواتهم ودولتهم وصدق وعد الله ورسوله فكان الأمن بعد
الخوف.
خلف الرسول قادة بشريون غير مدعومين بوحي من السماء، اجتهدوا فأصابوا
وأخطأوا ولكنهم جميعا كانوا محكومين بثقافة عصرهم وقيمه وأفكاره وظرفه ولنا في
تاريخهم العظات والعبر.
هذا جزء من تاريخ المسلمين، البعض يستدعيه لحاضرنا، مازالوا يعتقدون أن
الآخر هو ذلك المتربص بأمة المسلمين، يحذرونه ويكرهونه كأنه أبولهب وأبو جهل..
يعجزون عن التواصل الإنساني معه.. يستدعون له أحكام الكافرين المتعطشين
للدم المسلم..
مازالوا يعيشون عقل القبيلة ويفرضون الانتماء للدين بديلا عن العصبية
الجاهلية.
لم تصلهم بعد الحداثة وفكرة الوطن والمواطنة.. يتساوى في عقولهم الجار
المسيحي الشريك في الأرض والمصلحة مع وحلزة الجاهلي المتعصب لقيمه القبلية،
لايستطيع التمييز بين مينا وحنظلة..
مشكلتنا ليست مع التراث كتراث، مشكلتنا مع العقول التي توقف بها الزمن
ويستدعون لنا حياة الجاهلية والقبيلة ويظنونها دينا مطلقا، ويحاولون بجاهليتهم
المقيتة فرضها علينا متجاوزين عشرات القرون من التطور..
أولئك الجاهليون لا يفصلون الدين النبيل السامي عن قيم العصر الذي جاء فيه،
تراهم يخلطون بين الإسلام وثقافة المسلمين في عصر صدر الإسلام، فيصبح بول الإبل
دينا، وجناح الذبابة مقدسا، والآخر كافرا، والوطن هو الدين..
لا يجدي أن ننساق للغتهم فنتكلم في القرن الحادي والعشرين عن الإمامة
والشورى وأهل الذمة وجهاد الطلب والغزوات ..
لا يجوز إلا الوطن والرئاسة والديمقراطية والمواطنة..
فثقافات المسلمين ليست الإسلام.
لا يجوز الاستسلام لخلط هؤلاء المختلين وجاهليتهم.. ولا يجوز أن نناشدهم
الشفاء، علينا تجاوز عقمهم العقلي الذي توقف عند العصر الجاهلي والمجتمع القبلي..
علينا أن نتجاوزهم في قوانينا وتعليمنا وقيمنا.. علينا أن نؤسس دولتنا على
العقل والحداثة و العدل والمساواة مقتدين بسنة نبينا الحقة المؤكدة لا روايات
جاهلية أو حتى فارسية.
1 تعليقات
الاروع مروركم صديقى العزيز
ردحذف