عندما قررت أن أصير
انتحاريا
مقارنة من الانتفاضة
الشعبانية الى ثورة تشرين
عز الدين البغدادى
ليس عنوانا للإثارة، بل فعلا وواقعا حاولت أن أصير انتحاريا، ففي سنة 1991
حدثت انتفاضة "مسلحة" وأكرر مسلحة ضد سلطة صدام الفاسدة المجرمة، وقد
قمعت الانتفاضة بقسوة مرعبة ومبالغ فيها. أطلق على تلك الانتفاضة "الانتفاضة
الشعبانية" لان الإعلام المعارض الذي يسيطر عليها الإسلاميون الشيعة أطلقوا
عليها هذا الاسم وكهذا أرادوا ان يعطوها بعدا دينيا رغم أنها كانت رد فعل شعبي ضد
السلطة.
شخصيا أصبت بصدمة نفسية قاسية جدا، بعد أن فشلت الانتفاضة التي كانت تمثل
لكثير من العراقيين أملا بالتخلص من نظام صدام المجرم لا سيما وأن الانتفاضة انتهت
بتصفيات مرعبة للشباب العراقي.
كنت في أيام دراستي الجامعية وكان لي صديق من أهل الشطرة (محافظة ذي قار) له
انتماء سابق لحزب الدعوة، وقد طلبت منه أن يكون واسطة لي للانتماء الى هذا الحزب
وأنا مستعد لتقديم أي شيء يطلب مني ولو القيام بعملية انتحارية!!
فقد كانت صدمة نهاية الانتفاضة
شيئا مؤلما لا يوصف، إلا أن مسئول الدعوة المحلي في الشطرة رفض العرض لعدم إمكان
الاستفادة من عنصر بعيد جغرافيا ولأن المرحلة كانت مرحلة تهدئة وتسكين بعد ما قامت
به أجهزة السلطة من جرائم.
كثير من الناس بعدما رأوا ما حصل من تلك الأحزاب بعد 2003 تساءلوا: فكيف لو
نجحت تلك الانتفاضة بقيادات هذه الأحزاب نفسها، كيف سيكون الحال؟
هناك مقارنة تفرض نفسها، عندما حصلت انتفاضة آذار 1991، أحرقت دوائر
التجنيد ودوائر التربية وغيرها، وسرقت المستشفيات والمدارس، اذ كما كنت أقول دائما
بأن الوعي الشيعي ضحية مفاهيم خاطئة مدمرة جعلت الدولة عدوا للفرد الشيعي دائما، أيضا
قتل عدد كبير من الأشخاص المنتمين لحزب السلطة أو القريبين للسلطة وبطرق بشعة كان
أشهرها وضع إطارات محترقة في رقبة الشخص وقتله وسحله وحرقه.
أما في هذه الثورة (ثورة تشرين) فلم يقتل الثوار أحدا، كان شعارهم وسلوكهم
السلميّة، ولم يسرق الثوار شيئا ولم يحطموا شيئا. قبل أيام كنت في مجلس وكان فيه
أشخاص ضيوف من أهالي الناصرية، قال لي أحدهم: كنت شاهدا عندما اعتقل محافظ
الناصرية من قبل الثوار في سنة 1991، واسمه على ما اذكر طه ياسين وهو تكريتي، وقد
وضع في سيارة مكشوفة، والرجل كان أصلع وقد قام عدد من المنتفضين بضربه بالنعال على
صلعته، وقد حاول السيد محمد حسين المعروف بابن سيد راضي عالم الناصرية التدخل
لحماية الرجل إلا أن شفاعته لم تقبل وبعد جولة مهينة للمحافظ في المدينة تم إعدامه.
لا أريد بالتأكيد أن انتقص من ثورة آذار (الشعبانية) فهي موقف شجاع كبير
ومشرف سجله أبناء الجنوب في وجه الطاغية، كما أنها كشفت الوجه الحقيقي لكثير من
القيادات السياسية والدينية التي جبنت عن الدخول الى العراق للمشاركة في الثورة وهي
التي كانت تبعث الشباب الى الموت تحت تأثير ايدلوجية ميتة.. انها ثورة حقيقية انها
ثورة شعب بكل معنى الكلمة، لكن ركبها أشخاص من جهات هي التي تحكم الآن. فأثبتت هذه
الجهات أنها فاشلة كمعارضة، وفاشلة كسلطة.
انها مقارنة ذكرتها لأقول بأن تطورا كبيرا حصل للوعي العراقي، شكرا لشباب
الثورة وشكرا لكل من شارك بصناعة وعي متقدم، وكل من شارك بثورة تشرين.
والله المستعان وهو المعين.
0 تعليقات