مناقشة أصولية عالية:
حجية العقل (1)
علي الأصولي
المقدمة
إن البحث عن حجية العقل هو بالأصل متفرع عن البحث لنظرية العقل النظري والعقل العملي، والحسن
والقبح العقلي، والملازمات العقلية وما يتفرع عنها من حجج،
ورجوع النظرية ( نظرية العقل النظري والعملي ) بالأصل للبحث الفلسفي
الكلامي حيث قسموا العقل إلى عقلين ولكل منهما أحكامه ومقتضياته ومبادئه، وفي
الواقع لا يوجد ثمة عقلان في البين بل هو عقل واحد ، غاية ما في الأمر هو عقل واحد
ينظر وينظر إليه من حيثيتان، على ما سوف تعرف في مطاوى هذا البحث الموسع،
وتم زج هذه النظرية في الأبحاث الأصولية وتوسعوا في بحثها وما يخدم صناعة
الأصول وبالتالي الاستنباط،
بعد إثبات كبرى حجية العقل، وما يستلزم وهذه الحجية.
ومن هنا اختلف أهل الإسلام بشأن قدرة العقل بالتعامل والحكم على حسن
الأشياء وقبحها بين منكر كالاشاعرة.
وعموم أهل السنة ومثبت كالمعتزلة والإمامية ما بعد الغيبة الكبرى، وأما
أئمة الإمامية ومحدثيهم ورواتهم الأوائل ليسوا طرفا في معركة الآراء فهي مقتصرة
على ما ذكرناه أعلاه والاتجاه الأصولي الإمامي فحسب،
وعلى ما يظهر أن سبب رفض وإصرار الأشاعرة على رفض مبدأ التحسين والتقبيح
العقليين هو راجع بالأساس إلى موقفهم من الإمامة وسبب إصرار الاتجاه الإمامي العام
على التمسك وهذا المبدأ هو بسبب البحث الكلامي وما يتعلق بأصول الدين لا فروعه،
وهذا الإصرار الإمامي انتقل من الأصول للفروع عند الاتجاه الإمامي الأصولي، على ما
سوف تعرف في قابل البحث،
لم يكن للشيعة الأوائل طريقة في الرد على من خالفهم بشأن الإمامة من أدلة
عقلية سوى نفس طريقة الرد على من أنكر النبوة، فالأصل هو لإثبات النبوة وفرعها
الإمامة ولا معنى وتمييز الأدلة الإثباتية بين الأصل والفرع وعلى هذا النسق جرى
متكلموا الشيعة الأوائل، وهذه الردود مستسقاة من التعاليم التي كان أهل البيت (ع) يزودون
بها أتباعهم لمن ينكر وجود الحجة ( النبي) بلحاظ الضرورة العقلية لوجود الحجة على
الخلق وبلحاظ الدائمة أو الدائمية أي الحجة ( الإمام ).
وانتفاء الثانية ( الحجة الثانية الإمامة) يلازم انتقاء الحجة الأولى( النبوة
) لاشتراكهما بنفس الضرورة العقلية الناصة على ضرورة الاحتجاج ( احتجاج الله على
خلقه ) ناهيك عن النصوص النقلية والوقايع التاريخية لإثبات المطلوب،
وإذا وجد الأشاعرة أنفسهم مرغمين وتأويل النصوص الحديثية بلحاظ اللغة فلا
مناص والتسليم لضرورة العقل القاضية بإثبات المطلوب ، ولهذا وجدوا أنفسهم أمام
طريق للتخلص من إشكالية الضرورة العقلية الناصة بوجود الحجة وما يستتبعها من
ملازمات، وهو نفي وسلب قدرة العقل على الحكم على الأشياء بالتحسين والتقبيح،
وإرجاع المطلوب ( اي إنكار الحجة بالضرورة العقلية ) إلى حلبة الحديث
والتاريخ حيث يمكن تأويل الأحاديث وإسقاط بعضها بحجة عدم توفر الشروط عندهم
والتلاعب بالتاريخ وخلق جو ضبابي واحداثه السياسية،
والغريب بالإشاعرة أنهم اتهموا العقل بعدم قدرته ومعرفة الحسن والقبح بشكل
مستقل، ومن المعلوم أن إثبات وجود الله وأنبياءه ورسله متوقف بشكل ملحوظ على
العقل،
ومع رفضهم وعدم اعترافهم بالعقل وسلب قدرته بالجانب والحصة الكلامية إلا
أنهم استعانوا به بشكل مفرط ومغال بالفقه ودونك مباحث القياس والاستحسان والإجماع،
من المباحث الفرعية غير الكلامية، وهذه العناوين مع إنها من نتاجات العقل غير أنهم
لم يثبتوا له عنوان تحت مسمى العقل في البحث الفقهي الأصولي، ولذا وجدنا كم هائل
من الاضطرابات الفقهية حتى في المسألة الواحدة،
وأما الإمامية من تأخر عن عصر الغيبة فقد أكدوا على قدرة العقل ونقلوها من
الحصة الكلامية إلى الحصة الفقهية
عن طريق ما يسمى بالمستقلات العقلية على ما سوف تعرف، مع رفضهم لحجية
القياس والاستحسان تبعا للنصوص الشرعية الصادرة من أئمتهم (ع).
0 تعليقات