بعد مقتل سليمانى الرد المحدود يغنى عن حرب طويلة
طارق الشامي
لا يختلف الأميركيون على أن قتل قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس"
التابع للحرس الثوري الإيراني، يعني إزالة خطر داهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة
وحلفائها، لكن التباين قائم حول المخاطر التي يمكن أن تستتبعها هذه الضربة
العسكرية على مصالح الولايات المتحدة المباشرة، أو على الدول الحليفة لها، في ظل
صراع ملتهب بين واشنطن وطهران ظلّ على مدى عقود يجري عبر ما يسمى بحروب الوكالة،
لكنه الآن تحوّل إلى صراع مباشر بين الطرفين، فما هي التداعيات والتصورات المحتملة
خلال الأيام المقبلة؟ وهل استعدّت الولايات المتحدة للتصعيد مع إيران؟
في الوقت الذي اعتبرت فيه وزارة
الدفاع الأميركية أن قتل سليماني كان عملا وقائيا لحماية الأميركيين في الخارج من
مخططات سليماني، المصنف مع فيلقه على قائمة الإرهاب الأميركية، عبّر عدد من القادة
العسكريين السابقين في الولايات المتحدة وخبراء الاستراتيجية عن اعتقادهم بأن
إيران سوف تردّ وتنتقم لمقتله، لكن تقديراتهم تفاوتت حول حجم ونطاق ومكان الرد
المتوقع من جانب إيران.
أين الرد؟
يؤكد أفشون أوستوفار، مؤلف كتاب "طليعة الإمام" الذي يتحدث فيه
عن الحرس الثوري الإيراني، أن "فرصة ألا تردّ إيران على قتل سليماني هي
صفر"، فيما تساءل مسؤول في الإدارة الأميركية عن الخطوة المقبلة لطهران،
و"ما إذا كان ذلك سيشعل النار في الشرق الأوسط، لكن في كل الأحوال علينا أن
نكون مستعدين".
الجنرال الأميركي المتقاعد ديفيد بيتريوس، والذي كان شاهداً على سنوات
العنف للقوات الأميركية في العراق بعد 2003، اعتبر أن الرد الإيراني قد يكون في
العراق أو سوريا أو المنطقة، لكن مسؤولا أميركيا آخر عمل في الشرق الأوسط، قال
لموقع "بوليتيكو" الأميركي إن الرد قد يكون في أفريقيا أو أميركا اللاتينية،
وقد يكون في أي مكان آخر، معربا عن اعتقاده بأن اغتيال قائد رئيسي للإيرانيين لن
يجعلهم يديرون الخدّ الآخر للولايات المتحدة.
مواجهة مباشرة
أما أندرو إكسوم، نائب مساعد وزير
الدفاع الأميركي سابقاً لسياسات الشرق الأوسط، فقد أوضح في مقال له بصحيفة
"أتلانتك" الأميركية، أن واشنطن أصبحت الآن في مواجهة مباشرة مع طهران
بعد أن ظلت الحروب بين الطرفين تتم بالوكالة، مشيراً إلى أن أهمية قاسم سليماني لا
تنبع فقط من أنه نجح في جمع حلفاء عديدين لإيران من العراق إلى سوريا ومن لبنان
إلى اليمن، ولكن أيضاً "لأنه لا غنى عنه، ولهذا لا أستطيع توقع كيف ستردّ
إيران وكيف ينتهي ذلك".
لكن المسؤول الأميركي السابق عبّر عن خشيته من أن تدفع منطقة الشرق الأوسط
ثمن الحرب الأميركية الإيرانية على الأراضي العربية.
استبعاد حرب شاملة
وفي حين استبعد خبراء استراتيجيون اندلاع حرب شاملة على نطاق واسع نظرا
للفارق الهائل في ميزان القوى، فإنهم يتفقون على أن إيران ستسعى لإظهار القوة وليس
الضعف، وسيحاول الحرس الثوري أن يقول إنه ما زال قوياً ومتماسكاً وأن قتل سليماني
لن يؤثر عليه.
وحذر كلينت واتس من معهد واشنطن للدراسات من الميليشيات الشيعية في العراق،
التي تدين بالولاء الكامل لسليماني وللقيادة الإيرانية، لأنها تملك الإمكانيات
ويجب أن يضع الأميركيون نصب أعينهم حماية السفارات وأماكن إقامة الأميركيين .
وعلى الرغم من أن الرئيس ترمب أرسل آلاف القوات إلى المنطقة، فإنه ظل دائما
يؤكد أنه يحب السلام ولا يريد الانخراط في حرب جديدة في الشرق الأوسط، ومع ذلك فإن
رغبة إيران في رد تصعيدي تنذر بردّ أميركي قاسٍ، كما قال وزير الدفاع الأميركي،
ومن ثم اتساع نطاق المواجهة في عام الانتخابات الرئاسية الأميركية.
دعم جمهوري وحذر ديمقراطي
عكست ردود فعل أعضاء الكونغرس الأميركي تبايناً واضحاً، ففي حين حذّر
السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام من أن أي رد عنيف من طهران سوف يواجه بتدمير
آبار النفط الإيرانية، واعتبر زميله تيد كروز أن نهاية سليماني عادلة وترسل رسالة
واضحة إلى كل من يودّ إلحاق الأذى بأميركا، إلا أن الديمقراطيين كانوا حذرين
وأبدوا استياءهم من عدم المشورة مع الكونغرس قبل اتخاذ قرار قتل سليماني، حيث قال
السيناتور الديمقراطي كريس مورفي إن سليماني عدو للولايات المتحدة ولا شك في ذلك،
ولكن السؤال هل كان هناك تفويض من الكونغرس للقيام بمثل هذه العملية، بخاصة وأنها
يمكن أن تقود إلى حرب.
تداعيات على العراق
ويقول خبراء أميركيون إنه من المحتمل أن يكون لمقتل سليماني تداعيات عميقة
في العراق ودول الإقليم التي تنتشر فيها الجماعات الوكيلة لإيران، والتي كانت ساحة
للنفوذ الإيراني والأميركي أيضا، ذلك أن أحد أهداف إيران الرئيسة هو طرد الولايات
المتحدة من العراق، في حين أن كثيرا من العراقيين سئموا من النفوذ الإيراني على
بلدهم، وهو ما تجسّد جليا خلال التظاهرات التي شهدتها المدن العراقية على مدى
أشهر، لكن العراق يريد ألا يكون ساحة للصراع بين إيران وأميركا، وفي نفس الوقت
يحافظ على العلاقة مع طهران لمساعدة اقتصاده.
0 تعليقات