وهم الديمقراطية.. واستبداد الرعاع
عز الدين محمد
رغم واقع سيئ جدا بعد
2003 كان من أبرز مظاهره هو العنف وانعدام حقوق الإنسان، وضعف القانون وانعدام
الشفافية. رغم كل ذلك، ورغم كل الدماء التي سالت فلا زلت ترى وتسمع من شاشات
التفزيون من يمكن تسميتهم "مثقفي السلطة" وهم مجموعة من التافهين
والانتهازيين ممن صعدوا في هذا الزمن الرديء، وهم يتحدثون عن التجربة العراقية في
الديمقراطية والانتخابات، رغم ما وصلت إليه هذه الانتخابات من نسب تزوير ليس لها
مثيل في العالم.
إن أوضح صورة
للاستبداد عندما يكون هناك حاكم جائر يتصرّف كيف شاء دون أن يكون هناك قانون يضبط
سلوكه، أو يُحاسَب وفقه. إلا أنّ الاستبداد يكون أحيانا غير واضح، وذلك لأنّ صورة
المستبد عندنا وكما هي الغالب بالفعل هي صورة الحاكم الّذي يقتل ويسلب ويفعل ما
يشاء دون خوف من أحدٍ يمكن أن يعترض عليه.
لكن انعدام المركزية
لا تعني غياب الاستبداد، فقد يكون من جماعة تمسك بزمام السلطة. والجماعة إما أن
تكون حزبا أو عشيرة، أو أشخاصا وقوى مختلفة متخالفة إلا أنّ ما يجمعها هو التوازن
فيما بينها بحيث لا تسمح بخروج السلطة من منظومتها، وهذا أيضا استبداد وإن لم يكن
مركزيا ما دام هناك تمسك بالسلطة ورفض أي أمكان للتنازل عنها ولو جزئيا.
لا سيما وأن من يمسك بالسلطة يكون خارجا عن
القانون، بحيث لا يمكن أن يسأل عمّا يفعل واقعا.
إن استبداد "التسيّب"
تكون الدولة فيه ضعيفة، فتبرز بسبب ذلك قوى تستغل ذلك الوضع من قبيل العشائر أو
عصابات الإجرام أو الأحزاب أو أيّ جهة لها قوةٌ تستعين بها لتحقيق بعض المصالح. وهكذا
نكون أمام جماعات تحكم بغير قانون، فهم يسرقون ويقتلون، وربّما يقتتلون بينهم، إلا
أنّ ما يجمعهم هو الاستبداد بالحكم وعدم خضوعهم لقانون.
إنّ هذه القوى تستغل
ضعف الدولة، لتستبدّ هي بالأمر، فيكون المجتمع رهينة عندها لا يملك من أمره شيئا. هنا
يتعدّد المستبد؛ حتى يتمنى المرء لو أنّ مستبدا واحدا يحكمه؛ فهو أهون عنده من
مستبدّين كُثر، قد تتضارب مصالحهم، وتتعدّد مطالبهم، فلا يدري من يُرضي وعمن يُعرض.
إن الاستبداد موجود
هنا فعلا وإن لم يكن صادرا من الحكومة، ما دام هناك من يستبد بأمور الناس ويتحكّم
في حياتهم، ويمارس عليهم مختلف الضغوط، وهو ما يمكن أن نسميه "استبداد الرعاع".
وسواء كان الوضع لهذا
الشكل أو بذاك، فكلاهما يرجع إلى أمر واحد وهو إخضاع الناس لسلطة غير مشروعة رغما
عنهم، بحيث يُسلبون حق اختيار من يحكمهم ويحرمون من حرياتهم. وهذه الحالة التي عبر
عنها لابوسويه حيث قال: وحيث لا سيّد فالكل سيد، وحيث الكلّ سيد فالكل عبد.
0 تعليقات