الطورانية + الإسلام السياسي + الغاز = أردوغان
علي أبو الخير
ليس الهدف من هذا
المقال النيل أو التجريح في الشعب التركي، فهو شعب شقيق، نرتبط معه بعلاقات
تاريخيه وشعبيه، ولكن نكتب عن الأسباب التي تدفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
إلى التدخل في الشأن العربي سياسيا وعسكريا في غزو عثماني جديد، وهي محاولة للفهم.
نلاحظ حيرة وارتباكا
في تصريحات أردوغان العلنية، حول أسباب تدخله العسكري في الدولة الليبية وقبلها في
سوريا والعراق، نلاحظ مثلا أنه تحدث عن وجود مليون ليبي من أصل تركي، ولا يتناسى
أن شعوب المنطقة اختلطت ببعضها البعض، فهناك أتراك من أصول مصرية وليبية وعراقية
وتونسية وشامية وحجازية وغيرها، وفي المقابل يوجد مصريون وليبيون وتونسيون وشوام
وغيرهم من أصول تركية، حدث ذلك خلال فترات السيولة السياسية، التي تحدث عنها
الدكتور جمال حمدان، عندما كانت تنتقل الأسرات من قٌطر إلى قٌطر والاستقرار فيه
دون الإحساس بفقد الوطن أو الإحساس بالغربة، وكل جالية تختلط وتذوب في مجتمعها
الجديد، فيتأثر الجيل التالي بالجغرافيا التي يعيش فيها، وبالتالي فإن إدعاء أي
سياسي تركي بحماية السكان العرب من ذوي الأصول التركية، سواء في ليبيا أو في
الموصل العراقية، يعطي مبررات قوية لسوريا لحماية الشعب العربي السوري في لواء
الإسكندرون التركي، وهم جميعا عرب يتحدثون العربية ولم يذوبوا في الداخل التركي،
مثلهم مثل أكراد تركيا، فأردوغان يفتح على نفسه أبواب الجحيم بادعاءاته المتكررة،
وتظهر حيرة أردوغان أيضا عندما يطالب بتعديل بنود معاهدة سيفر عام 1920، التي قسمت
الإمبراطورية العثمانية، وهو وهم صاغته له أيديولوجيته الإسلامية|السياسية، وحيرة
أردوغان تدور حول الارتباك النفسي والتاريخي بين القومية الطورانية والهوية
الإسلامية السياسية، وبينهما الوضع الاقتصادي، ويحاول أردوغان الجمع بينهم مستغلا
الروح الدينية والقومية الطورانية، والطورانية حركة قومية ظهرت بين الأتراك أواخر
القرن التاسع عشر، هدفت إلى توحيد أبناء العرق التركي، الذين ينتمون إلى لغة واحدة
وثقافة واحدة، وقد أخذت الحركة اسمها من منطقة طوران، الممتدة ما بين هضبة إيران وبحر قزوين مهد
القبائل والشعوب التركية، كما يقولون، وقد نجحت الحركة في إسقاط الخلافة الدينية
العثمانية، ولكنها لم تتناسى التمدد
الخارجي بالروح القومية، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي واستقلال خمس دول تنتمي
للجنس التركي، وهي أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان، قتم
إحياء التمدد العرقي، سواء على مستوى حزب الشعب العلماني، أو على مستوى التيارات
الدينية، وهو ما نعيش فصوله اليوم، ولكن حزب الشعب لم يتحدث عن الدين، ولم يتخذ
إجراء في التمدد الطوراني أثناء فترات حكمه، وتوجد ثلاثة أسباب كما نرى تؤجج مشاعر
الرئيس التركي وتجعله يتخذ القرارات الخطأ أو الخطيئة في الزمن الخطأ.
أولى هذه الأسباب هو السبب التاريخي النفسي، رجب
طيب أردوغان يفتخر بالجنس التركي بصورة شمولية، صحيح أن الجنس التركي يمتد من شرق
آسيا لغربها، ولكن تاريخ الدولة التركية الحالية لا يتعدى الستمائة عام، نعم أثّر الجنس التركي في التاريخ الإسلامي منذ
خلافة المعتصم بالله العباسي، كانت أمة
المسماة مارده تركية الأصل وجارية لهارون الرشيد وأنجبت منه المعتصم، فاعتمد
المعتصم على أخواله الأتراك، كما اعتمد المأمون على أخواله الفرس من قبل، واستغل
الأتراك الفرصة فأسسوا الدولة السلجوقية عام 1037، ولكنها لم تصل إلى آسيا الصغرى
أو بيزنطة واليونان القديمة، التي تمثل جغرافيا الدولة التركية اليوم، وبحسبة
تاريخية، نجد أنه ومنذ وفاة المعتصم عام 842 وحتى عام 2020 يكون عمر الأتراك في
التاريخ الإسلامي 1178 سنة، أما تاريخ وجغرافيا الدولة التركية الحالية، يمكن اعتباره
منذ فتح القسطنطينية عام 1453 وحتى عام 2020
يكون عمر الدولة التركية الحالية 567 سنة، ويمكن زيادة المدة، لنجعلها منذ
تأسيس الدولة العثمانية عام 1326 وحتى عام 2020 يكون عمر الدولة التركية الجغرافية
694 سنة، فقط لا غير، وهو عمر قصير في تاريخ الدول والشعوب، ليس مثل مصر والشام
والهند والصين والعراق وغيرهم، وهي الدول التي صنعت الجغرافيا فيها التاريخ،
واستقرت الشعوب داخلها منذ آلاف السنين، ليس مثل الدولة التركية، ومن ثمّ عندما
يفتخر أردوغان برموز تركية، ذكر أمثال إلب أرسلان – ملكشاه – محمد الفاتح، وهم
ينتمون للجنس التركي وليس للدولة التركية الحالية، وواضح عدم وجود علماء فلك وطب
وكيمياء أو فقهاء أتراك عبر التاريخ، فليس بينهم إلا النادر عالم رياضي أو تاريخي
أو فلسفي مؤثر، مثل ابن رشد وابن الهيثم والفارابي والرازي والغزالي، الفخر فقط
للقيادات العسكرية، فالتاريخ التركي تاريخ عسكري فقط، فقام الأتراك بغزو أوروبا
ولكنهم لم يستقروا فيها، ولم يستقر الإسلام نفسه، إلا في الدول التي عرفت الإسلام
من قبل في البوسنة والهرسك وألبانيا، ورجب أردوغان يريد إيحاء الماضي بالقوة
العسكرية في الدول العربية التي كانت ضمن ولاياتها، ولم يتمدد في الدول ذات الأصول
التركية، فهو يظهر في المناطق الضعيفة المشتعلة أصلا بالحروب الداخلية ويستغلها،
كما هو الحال في سوريا والعراق ثم مؤخرا ليبيا.
والسبب الثاني المحرك لرجب أردوغان إسلام سياسي بامتياز،
ولا يمكن لأردوغان أن يسيطر على المنطقة بالدعوة لخلافة تركية جديدة، لأن زمنها
انتهي بلا رجعة، فشل من قبله عدنان مندريس الذي أُعدم عام 1961، ونجم الدين
أربكان، الذي لم يستمر حكمه إلا عام واحد، وتم إبعاده عام 1997، ولكنّ أردوغان
يرغب في وصول أصحاب الإسلام السياسي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين لحكم عدة دول
عربية، يكون هو فيها المرشد الذي يحدد السياسات الخارجية للدول التي تدور في فلكه،
على غرار الأمانة القطرية والقومية لحزب البعث، ويحاول أردوغان الوصول إلى قمة
الإسلام السياسي عندما بات يذكّر الأتراك بماضيهم ليفتخروا باحتلالهم للبلاد
العربية، لأن الغزو التركي للدول الإسلامية وإسقاط الخلافة العباسية الرمزية تم
بعد احتلال مصر عام 1517 متجازوين الأحاديث التي تنص على أن الخلافة في قريش، أو
حتى في العرب، ولكنها صارت في الغز أو الترك، ووجدوا من فقهاء الأمة الموافقة على
أحقية آل عثمان الأتراك في الخلافة على أساس أحقية المتغلب أو ذي الشوكة، وصار
الأتراك سادة العرب، واعتبر أصحاب الإسلام السياسي وعند كثير من فقهاء المسلمين في
تركيا شرعية دينية، وضرورة فقهية يجب السعي لإحيائها، والمدهش أن أردوغان المتأسلم
لم يتخل عن تراث أتاتورك العلماني، يمدح أتاتورك الذي ألغى الخلافة، ويمدح السلطان
عبد الحميد الثاني في الوقت ذاته، وبسبب ذلك تعيش تركيا حالة من الانفصام، فهي
دولة إسلامية تريد رئاسة العالم الإسلامي، وهي دولة علمانية تسعي للانضمام للاتحاد
الأوربي، دولة فيها أكبر قاعدة أمريكية وأكبر تجمع إسلام سياسي معارض للدول
العربية، خاصة تجمع الإخوان المسلمين المدعوم من تركيا، وهو تناقض مفهوم بعد
التأمل في السلوك الأردوغاني.
أما السبب الثالث، فهو يكمن في الاقتصاد، والبحث عن موارد
للطاقة، وهو الغاز، فبعد عشر سنوات مثمرة حكم فيها أردوغان وحزبه 2002 – 2012 ،
بدأ الاقتصاد التركي يتداعى، وهو أمر كتب فيه كثيرون متخصصون، ولا نطيل الشرح فيه،
إلا بقدر القول إنه تم خلط السبب الاقتصادي بالسببين الطوراني والديني، لتشكل
الخلطة سلوكا سياسيا متهورا، يسعى لنهب الثروات متغطيا بالأردية الدينية والقومية،
وهو هوس لا يعيش، لأنه ضد الدين والتاريخ والمستقبل، وضد القوى الإقليمية والدولية
معا.
هذا رأينا قد يكون
صوابا يحتمل الخطأ..
0 تعليقات