آخر الأخبار

بين الحسين (والحسين)





بين الحسين (والحسين)

علي الكناني


ثقافة الحزن لدى العراقيين قديمة ومتجذرة ، ومواكب اللطم لديهم غائرة بعمق تاريخهم ، فمجمع الإلهة يزخر بأساطير كثيرة للخالدين ، ولعل أسطورة اينانا وزواجها من ديموزي وسخطها عليه وانزاله إلى العالم السفلي أشهرها ، حيث قدر لديموزي النزول للعالم السفلي ليكون نزوله عنوان الحزن لبلاد الرافدين وهم يلقون مراثي الحزن عليه،ولعل اكثر تلك المراثي هي التي تلقيها أخت ديموزي والتي تنوح عليه وتبكي بكاءآ مرا في مراثي سجلها العراقيون القدامى على رقمهم الطينة.


وجاء كلكامش بنواحه على انكيدو ليشكل تراجديا حزن عنوانها فقد البطولة والرجولة التي مثلها انكيدو والتي كان كلكامش يرى نفسه فيه ، حتى انه توسل بالالهة ان تريه حبيبه فستجابت له.

وقصص كثيرة حفتظتها مثلوجيا بلاد دجلة والفرات واستمرت مع استمرار تدفق النهرين والى ان يأذن الله بأمره.

شكلت هذة المثلوجيا القديمة ركيزة كي تنشأ بيئة عاشت مع الحزن حتى أصبح له قيمة فرح عندهم فترى أغانيهم عبارة عن وجع وتأوه وملامة وهم يضحكون ويطربون فرحآ به ، وقد روي عن الصادق عليه السلام انه طلب من احد الشعراء ان يرثي الحسين شعرآ ولكن بطريقة اهل العراق ، والغريب انك ترى بقايا هذا الحزن القديم موجود وبقوة باطوار اهل ريف جنوب العراق حيث اينانا وديموزي وكلكامش وانكيدو ، ولعلي لا اخطأ ان قلت انك لو استمعت الى طور الصبي تسمع نغمآ ووجعآ عمره الاف السنين.

لقد شكل هذا الموروث الوجعي ركيزة تلاقت مع واقعة رهيبة كانت بحق فاجعة انسانية بكل معنى للكلمة ، رجل يخرج للاصلاح مع سبعين يزيدون قليلآ يقدم اعز ما يملك من اجل مبدأ الحق الالهي لانه عنوانه ولانه امتداد الوحي ، فكانت هذة الواقعة مع كل ما بها من معاني حزن ومأساة عنوان لتراجديا جديدة لاهل العراق لقد وجدوا ضالتهم الحزينة لقد وجدوا حزنهم السرمدي لقد امسكوا بتلاليب ثوب عنوانه البكاء واللطم والعويل لانه جزء من روحهم المشتاقة والفرحة به.

نعم نسج أهل العراق حسينهم الخاص بهم ليعيشوا معه لحظة العشق الصوفي والذي يراد له ان يتجذر ويغرس انيابه بهم ، ونسوا انه اي الحسين عليه السلام عنوان لمعاني اخرى اهم واهم من تراجديا الحزن والموت لانه اراد بالموت معنآ اخر عنوانه حياة العز للانسان.

لكنهم ورغم حبهم التوجعي اكثر من يحب الحسين بكلا العنوانين وهذة شهادة لهم.

يراد الان من اهل هذا الوطن ان تسري بهم وتتجذر عقائد الدين الشعبي كما يعبر بعض اصدقائي ، وان يكون التصوف هو السائد بكل طرقه القديمة والجديدة لغاية في نفس بعضهم والغريب تلاقي الاعداء على ذلك.

ليبقى الحسين الشعبي الصوفي كي يضيع حسين الحق بين ثناياه.

إرسال تعليق

0 تعليقات