ثقافة مواجهة الظلم والمطالبة بالحقوق في فكر المرجعية الرشيدة
محمد النجفى
الحلقة
الأولى: علينا أن نحذر من الأخطار ونتوقاها قبل وقوعها
روي
عن الإمام السجاد (عليه السلام) أنه قال في حديث له: ان الله عز وجل ما بعث
الأنبياء والأوصياء بالسكوت، إنما بعثهم بالكلام، ولا استحقت الجنة بالسكوت، ولا
استوجبت ولاية الله بالسكوت، ولا توقيت النار بالسكوت، إنما ذلك كله بالكلام... .[
1 ]
وعن
الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إن الله لا يدع الأرض إلا وفيها عالم يعلم
الزيادة والنقصان فإذا زاد المؤمنون شيئا ردهم وإذا نقصوا أكمله لهم فقال: خذوه
كاملا ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين أمرهم، ولم يفرق بين الحق والباطل.[ 2 ]
هكذا
ينبغي أن تكون القيادة الدينية العارفة ناطقة بالحق تراقب سلوك المجتمع وإذا رأت
نقصانا أكملته وإذا رأت في سلوكها زيادة ردته فوجود القيادة الدينية العارفة هو
الفرقان بين الحق من الباطل ...
ولم
يبخل العلماء العارفون العاملون المخلصون على الأمة فقد رسموا ووضحوا طريق الحق
وفي كل مفترق طريق تجده حاضرا يوضح ويوجه ولا يترك الناس حيارى ولكن مع الأسف كثير
من الناس لا تهتدي إلى قيادتها الحقيقية لهذا نجدها تتخبط فترتمي في أحضان
القيادات المتقمصة التي تستغل الناس في تحقيق مصالحها وإن استدعى ذلك التضحية
بدماء أتباعها أو حاضرهم ومستقبلهم ...
اليوم
أحببت أن ننهل من فيض المرجعية الرشيدة فيما يتعلق بثقافة مواجهة الظلم والمطالبة
بالحقوق وهل أنها تطرقت لذلك أم لا ؟!
الحقيقة
أني كلما طالعت كلمات المرجعية الرشيدة ومواقفها أجد في كل مرة الشيء الكثير ... ومما
وجدته ويتناسب مع الأحداث الجارية في الساحة هي مسألة ثقافة مواجهة الظلم
والمطالبة بالحقوق ... لذا سأقوم باستعراضها على شكل نقاط:
1-
علينا أن نحذر من الأخطار ونتوقاها قبل وقوعها
كثيرة
هي الأخطار إلا إننا لا نتوقاها قبل وقوعها مما يجعلنا ندفع الثمن غاليا فيما بعد
رغم لو أننا عرفناها وتوقيناها لما تطلب منا الأمر إلى قليل من الجهد ...
وقد
أشار المرجع اليعقوبي إلى ذلك في عدة كلمات منها كلمته التي كانت بعنوان ( لا
نتخوف قارعة حتى تحل بنا ) وهي كلمة لأمير المؤمنين (عليه السلام) وقد سلط سماحته
الضوء عليها ومما جاء في كلمته:
وهذه
الحكمة الكبيرة التي تشخّص مرضاً فردياً واجتماعياً سائداً رغم خطورته وهو اننا لا
نحذر الأخطار ولا نتوقاها ونتحرز منها رغم الانذارات المتكررة ووجود بوادرها
ومقدماتها ونبقى سادرين في الغفلة والعناد والمكابرة والجهل حتى تقع الكارثة وتحل
بنا وحينئذٍ نفزع الى الحلول والاستغاثة والتشبث من الغرق بأي وسيلة فلا نجدها لأن
وقتها قد فات ولا ينفع الندم والحسرة، ولا نستفيد من التجربة، وكلما تكررت الحالة
يكون الموقف نفسه.
هذا
هو حال الافراد تعظهم وتنذرهم وتنصحهم فلا يأخذون بشيء من ذلك حتى يقع المحذور
كالطفل حينما تحذره من مواضع الخطر كلمس الكهرباء أو النار وتناول الأشياء الضارة
لكنه لجهله يصرّ على العناد والاقتحام فيصيبه الضرر وقد يكون قاتلاً (ولات حين
مندم).
وهذا
هو أيضاً حال المجتمعات والكيانات يصرون على المضي في طريق الخطأ والخطيئة إلا أن
يحترقوا بنارها فيطلبون النجدة للخالص فلا يسعفهم الحل ولا يستمعون الى القادة
المخلصين الحريصين عليهم الناصحين لهم الذين يريدون لهم الخير والسعادة فإن مثل
هؤلاء القادة ينبهون الأمة الى الخطر قبل وقوعه ويشخصون المشكلة بقراءتهم الدقيقة
واستشرافهم المستقبل بنور الله تبارك وتعالى ووعي المعطيات والظروف الموجودة
ويقدمون الحلول ليتجنبوا وقوع المشكلة ويمنعون من حصولها كالطبيب الحاذق الذي
يُشخص المرض قبل استفحاله ويحذّر ويقدّم النصائح ليتجنب وقوعه[ 3 ] ، لكن الناس
وزعاماتها المصطنعة لا تعي ذلك ولا تريد أن تتنازل عن بعض مصالحها وامتيازاتها
فتجتهد في إبقاء الناس على حالة الغفلة والجهل والتخلف والقداسة الموهومة حتى تقع
الكارثة فيندفعون الى إيجاد الحلول نفاقاً وإدامة لنفوذهم وهيمنتهم.[ 4 ]
وفي
كلمة قيمة لسماحته حملت عنوان (سنة التدافع في القيادة النبوية المباركة) سلط
الضوء على قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة :
251)
وقوله
تعالى: ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ
صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ
كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ
عَزِيزٌ) (الحج : 40).
أوضح
ضرورة هذه المسألة حيث جاء في كلمته:
تكشف
هاتان الآيتان عن سنة إلهية عظيمة وفريضة واجبة على المسلمين وهي سنة التدافع أي
دفع الكفر بالإيمان، والشر بالخير، والفساد بالصلاح، والباطل بالحق، والمنكر
بالمعروف، وتظهر عظمة هذه السنّة من اندراج فريضتين عظيمتين تحت عنوانها وهما
الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مضافاً الى الطاعات الاخرى كالدعوة الى
الخير والنصيحة والارشاد والموعظة.
وهنا
نلتفت إلى عدة أمور نستوحيها من الآيتين الكريمتين:
13-
إنّ الدفع وإن كان في المصطلح يعني مقاومة الشيء بعد وقوعه، إلا أن معناه هنا أوسع
فيشمل ما يعرف بالرفع أي منع وقوع الفساد والظلم والانحراف أصلاً، بل أن العمل عل
النحو الثاني هو الذي يجب أن نفكر فيه ونضع خططنا له على طريقة الحكمة القائلة (الوقاية
خير من العلاج) فتهيئة أسباب الصلاح والبيئة المساعدة لانتشاره وإقناع الناس به
مقدَّم على انتظار وقوع المنكر ثم التفكير في كيفية إزالته ومعالجته.[ 5 ]
وأصدر
المرجع اليعقوبي الكثير من البيانات وتحدث بكلمات كثيرة حول هذه المسألة المهمة
فقد أوضح لهم التكاليف ورسم لهم الطريق في وقت مبكر وحذرهم من التساهل من العمل
بها حيث قال في بعض كلماته:
اذا
غبتم عن الساحة تُؤكلون[ 6 ] وأكد كثيرا على ضرورة الحضور في الساحة ومعرفة ما
يجري فيها وأن يكون لدى عامة الشعب وعي وثقافة سياسية ويجب أن يكون هذا الحضور
مستمرا وفاعلا ومؤثرا وواعيا حتى يكون ذا هدف وحتى يكون مؤثرا على سياسة الدولة
وأوضح سبب ذلك حيث قال: حينما تغفلون وحينما تغيبون سوف تضيع حقوقكم[ 7 ].
وقد
تم افشال كثير من المشاريع الجاهزة التي جاء بها الاحتلال لتطبيقها نتيجة الحضور
الواعي والفاعل للمجتمع وخصوصا الواعين والتفافهم حول المرجعية الرشيدة ومنها
مؤتمر الناصرية وخروج عشرات الآلاف من المتظاهرين والجلس السياسي ومن ثم تم تغيير
اسمه الى المجلس الاستشاري ... ولكن بعد انسحاب المجتمع من الحضور الفاعل في ساحة
المواجهة السلمية والركون إلى الراحة والدعة وعدم التفاعل مع أوامر وتوجيهات
المرجعية الرشيدة نجح الاحتلال وبعض القوى السياسية بتمرير بعض هذه المشاريع والتي
منها تشكيل مجلس الحكم في تموز 2003[ 8 ] وتعيين الحكومة العراقية المؤقتة من قبل
قوات الاحتلال في حزيران 2004 [ 9 ] ... .
نلتقي
في حلقات أخرى ان شاء الله تعالى
الهواشـــــــــــــــــــــ
[ 1
] بحار الأنوار ج68 ص274.
[ 2
] علل الشرائع ج1 ص195-196.
[ 3
] حدث السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) أن شخصاً مرَّ بدار فسمع من داخله
صوتاً فقال ان صاحب هذا الصوت سيموت بعد ثلاثة أيام وقد حصل ذلك فعلاً ، ولما سُئل
هل انه يعلم الغيب، أجاب لا، لكننا نفهم الحالة على انه شَخّصَ صوت المتحدث علةً
في قلبه او جهازه التنفسي لا تمهله كثيراً فهكذا القائد الحاذق يقرأ الأحداث ويقدم
الحلول .
[ 4
] خطاب المرحلة ج9 ص372-273.
[ 5
] خطاب المرحلة ج8 ص400.
[ 6
] أنظر: كلمة المرجع اليعقوبي التي ألقاها في وفد من أهالي الشعلة والفهود بتاريخ
شباط 2005. (تسجيل فيديوي)
[ 7
] كلمة المرجع اليعقوبي التي ألقاها في وفد الكلية التقنية الهندسية / بغداد آذار 2005م.
(تسجيل فيديوي)
[ 8
] خطاب المرحلة ج3 ص120.
[ 9
] المصدر السابق ص366.
0 تعليقات