آخر الأخبار

وقفة مع توقيع





وقفة مع توقيع


على الأصولي

ورد في التراث توقيع صادر من الإمام ، مضمونه : اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك  ، ، ، ، ، إلى ، ، ،  لا فرق بينك وبينهم !؟


تحفظ السيد المحقق الخوئي في معجم رجاله على هذا التوقيع إذ قال بما مفاده ، هذا التوقيع غريب عن أذهان المتشرعة وغير قابل للاذعان بصدوره عن المعصوم ،

ولكن الغرابة الأكثر أن نجد نفس المحقق الخوئي يبحث عن مضامين هذا الدعاء محاولا شرحه ما أمكن وتخريج فقراته كما في كتاب صراط النجاة !؟

حاول بعضهم دفع الأشكال ما بين رأي المحقق في ( معجم الرجال وصراط النجاة ) بتقريب أن المحقق الخوئي صرح بعدم قابليته للاذعان في الجملة !

وعليه فلا يرد عليه الأشكال، كيف لا وقد وردت روايات بهذه المضامين إما من جهة الوثاقة أو الوثوق فإشكالهم لا يصح ، وفيه نعم اذا كنا نحن والمضامين يمكن أن نجد فسحة الانطباق على هذا الدعاء بصرف النظر عن أي للحاظ آخر،

ولكن ان تحاول دفع الأشكال بعد استبعاده بدعوى في الجملة فهذا الدفع تبرعي وليس عليه شاهد، ومن هنا لا نرفع اليد عن صريح ما قاله السيد الخوئي والذهاب نحو التفاسير والتاؤيلات التي ليس عليها شاهد ،

وكيفما اتفق  بحث العلماء في النص أعلاه دلاليا واتفقت كلماتهم بالصحة بحسب كل جماعة ومسلكهم المعرفي،

فأصبح عندنا هناك ثلاثة مسالك لفهم الفقرة :

المسلك الأول : مسلك العرفاء، قال المحقق النمازي في مستدركه إن مضامين هذا التوقيع ليست غريبة على المنتسبين إلى السلك العرفاني ، وحاصله ، لا استقلالية ولا واقعية ولا أصالة إلا لوجود الله وأما بقية الموجودات فتلحظ بلحاظ حرفي والمعنى الحرفي واضح اصوليا، باختصار كل الموجودات غير الحق تعالى ، ليست بأمور مستقلة في قبال الله وليست لها وجودات في عرضه بل ليس لها إستقلال عنه في اي مجال من المجالات فوجودها وجود النسبة وهي في رتبة الوجود الرابط ، فوجودها مندك بتمام الاندكاك بوجوده وهو واقع الفناء في الحق، وهذا حال عالم الإمكان بأسره فهو تجلي لله وظهوره في مرتبة الفعل ولا يمكن لحاظه بأي شكل من الأشكال بنحو مستقل ، المهم عالم الأمكان فإن في ذاته وعليه فلا فرق بينك وبينهم بلحاظ الاندكاك تمام الاندكاك بذاته ولا وجود لهم إلا به فإذا أشرت إليهم أشرت له ،  من قبيل وما رميت اذا رميت ولكن الله رمى انتهى بتصريف بسيط ،

وفيه بصرف الكلام الطويل والعريض الذي ذيل النمازي إجابته به  أقول: أن مجرد الاستئناس وصرف الغرابة لا يشكل برأسه دليلا على إثبات المدعى ، وإلا فسوف نشهد فوضى بتداخل الأقوال المعصومية والعرفائية بل وحتى التصوفية بدعوى عدم الغرابة على المشتغلين بهذا الحقل المعرفي ، لا فرق بينك وبينهم ، ، ،

تعرضنا للمسلك الأول ، مسلك العرفاء وفهمهم لهذه الفقرة من التوقيع أو الدعاء ، وهو ما أشار إليه العارف السيد محمد تقي الأصفهاني في كتابه  - مكيال المكارم - حيث قال : وفي الدعاء المروي في الإقبال عن صاحب الأمر (ع) إلى أن قال ، وهذه المرتبة أعلى المراتب وهي، مرتبة لا يمكن للممكن أعلى منها ، وهي مرتبة محمد والأئمة الطاهرين(ع) وليس بعالم اللاهوت وهو عالم الوجه الأعلى من الفؤاد الذي هو الطرف الأعلى من الحقيقة المحمدية مع قطع النظر إلى ما تحته وليس فوق هذا المقام مقام إلا عالم الأزل الأصلي، اي عالم الذات البحت ،،، إلى أن قال ،، وأن شئت إلى توضيح عالم اللاهوت فأنظر إلى الحديدة المحماة كيف صارت بمصاحبة النار نارا وليست بنار فهي هي وليست هي ، والنار نار والحديدة المحماة حديدة ، ، ، ، ، الخ

أقول : وكما ترى الأصفهاني ناظر للفقرة في التوقيع من جهة فنائية صرفة ، وكلامه لا يرجع لمعنى لمحصل إلا بعد إثبات صحة النسبة ، نسبة الدعاء للناحية المقدسة؛ وإلا كل ما قيل فهو من نحت الأدلة .

المسلك الثاني - مسلك المتكلمين

وقد أجاب هذا المسلك بتوجيه الفقرة الدعائية بمفاد، ان الاستثناء وحدة كفيل ببيان الجواب ، فالفرق واضح بين- لا فرق - إلا أنهم -.
ويمكن تقريب الجواب بمقدمتين :

الأولى : أصولية ، وحاصلها ان مفهوم الاستثناء هو إنتفاء حكم المستثنى من المستثني ، ف - إلا - موضوعة للإخراج ولازم هذا المفهوم ان يكون المستثنى محكوما بنقيض المستثني منه - وعليه ، فيكون المعنى ان هناك فرق بينك وبينهم من جهة أنهم عبادك ،
المقدمة الثانية: كلامية وتتعلق بخصائص الفرق ،
أولا : لا يمكن تصور عبد إلا بوجود المعبود،

ثانيا : العبد ممكن يجب باصطلاح المتكلمين والمعبود واجب في اصطلاحهم ، والعبودية هنا التكوينية لا اللغوية،

ثالثا : للواجب خصائص وللممكن خصائص والنسبة بينهما نسبة التباين بحسب الإصطلاح المنطقي،

الحاصل : أن الفرق بينهم هو الفرق بين الواجب والممكن.

المسلك الثالث : لتوجيه التوقيع ، هو مسلك الاحتمالات


الاحتمال الأول : ما عن المحقق الخوئي كما في كتاب - صراط النجاة - للتبريزي، وحاصله ؛ معنى إلا فرقية بينك وبينهم ، هو وصولهم وبلوغهم في مرتبة الكمال إلى حد نفوذ التصرف منهم في الكون بإذنك فهم مقهورون لك لانهم مربوبون لك لا حيلة لهم دون اراتك ومشيئتك فهم بما تشاء والله العالم أنتهى الجواب الإحتمالي،
وتوضيح الإجابة ، أنهم (ع) مظهر للاسم الأعظم ولم يجب عنهم الاسم إلا حرف على ما روى الكليني في الكافي،

وهم أول الخلق كما في الروايات وهم محل مشيئة الله كما في دعاء الجامعة الكبيرة، أسألك بما نطق فيهم من مشيئتك وغيرها من المرويات ذات الشأن،

اقول هذا الاحتمال مبني على كبرى ثبوت ولايتهم التكوينية وكيفما كان لم يبين هذا الاحتمال إجابة بيانية علمية دقيقة ،

الاحتمال الثاني : أنهم الاسم الأعظم في مرتبة الفعل لا في مرتبة الذات والقول بالفرقية في مقام الذات لا بد منه لقيام الأدلة العقلية والنقلية على ذلك ،

وحينئذ يقال : لا فرق بين اسم الله الأعظم في مرتبة الفعل وفي مرتبة الذات إلا من جهة العبودية المحضة، التي تلبس بها هؤلاء (ع)
وفيه أن هذا الاحتمال يحتاج إلى عنايات خاصة إذ أنه مشروط بالتفريق بين مقام الذات ومقام الفعل وطبيعة شؤونات كل مقام من هذه المقامات في عالم الظهورات الناسوتية على ما يعبرون،

الاحتمال الثالث : أنهم صفاته وأسمائه المصداق الاتم ونور الشيء كأنه هو وعلمه كذلك ، فلا مانع من نفي الفرق بهذا اللحاظ ولكن الفرق بأنهم تبع له ولا غنى لهم عنه ،

ويبدو لي أن هذا الاحتمال من أضعف الاحتمالات التوجيهية فهو قريب لمعنى الاتحاد والحلول  !

الحاصل :
أجد أن مسلك المتكلمين ، هو الذي إستطاع الإجابة عن توجيه هذه الفقرة بوضوح تام بلا استعانة روائية ولا تاؤيلات فلسفية عرفانية بعد فهم طبيعة الاستثناء الفرقي،

فلا غلو ولا اتحاد ولا حلول لقيام الدليل على بطلان ذلك ، من جهة وولوضوح دليل الاستثناء من جهة أخرى  كما تلاحظ ،

وكيفما كان لا اعرف حقيقة هذه العبارة واقعا من الناحية الثبوتية وأن أمكن تجاوز الضعف من جهة الوثاقة إلى التمسك بجهة الوثوق وعلى اي حال ، وحديثهم صعب مستصعب والى الله تصير الأمور والله العالم .

إرسال تعليق

0 تعليقات