آخر الأخبار

كلا كلا للحرية






كلا كلا للحرية

هادي جلو مرعي



رفع صورته الكاريكاتورية وسار بين المتظاهرين المحتجين على قمع الحريات في بلده العراق، وكان ذلك عام 2007 وكان صحفي كتب عن الحريات، وعن سوء سلوك سياسيين، وتعرض إلى التهديد، ولكن الذي رفع صورته، وكان صحفيا أيضا نسي أن يهتف بالطريقة الصحيحة، وبدلا من أن يقول: نعم نعم للحرية، نادى وبصوت سمعه الحاضرون، وضحكوا: كلا كلا للحرية! فقد غادر عهد الدكتاتورية وهو بعمر متقدم، ولم تعد ذاكرته تستوعب المصطلحات والتسميات الجديدة للديمقراطية المزيفة، ولا التعبيرات التي يتحدث عنها أشخاص وجهات يزعمون أن البلاد تمضي على الطريق الصحيح، متجاهلين الطائفية، والتنازع القومي، والتدخلات الأجنبية، والإحتلالات، والفساد، وضعف القانون، وتردي الخدمات في قطاعات مختلفة.

يعتاد الناس، وبمرور الوقت، ولعدم الرغبة في تقديم التضحيات كما يفعل عادة قلة من الناس الثوريين عبر التاريخ يعتادون على قبول الدكتاتورية، والتحكم من قلة متسلطة بهم، وبشؤونهم، ولايفكرون في المقاومة، وحتى عندما يفعلون ذلك يجدون في مقابلهم العديد من المنتفعين من النظام الحاكم، ولذلك لايقوون على المواجهة، وبدلا من ذلك ينساقون الى لعبة الولاء الكاذبة، والتأييد المصطنع والزائف، وفي السر يعلنون التمرد، ويوجهون الشتائم للحاكم وحاشيته، لكنهم حين يغادرون دائرة الحكم المستبد ينسون أنفسهم، ويتحولون الى حكم مستبد يشكلونه بأيديهم، ومن يفشل منهم في الأمر يقرر القيام بدور المعارض الشرس الذي لايقهر، والذي سيغير المعادلة في وقت ما، وهو في الحقيقة ينتظر الخلاص من هذا الشكل من الحكم ليشكل الحكم الجديد على يديه، ووفقا لرؤيته، فيتحول الناس المعارضين الى أعداء، وكأنها سنة الحياة التي لاتتغير، حيث يتحول الملائكيون الى شياطين.

في وقت ما يجرؤ الناس على التمرد على المتحكمين في شؤونهم، وقد تساعدهم الظروف في خلق نوع من التوازن مع الحكم المستبد فيواجهونه بقوة، وربما أضعفوه وأرغموه على التنازل، بينما تفشل أنواع من التمرد في ظل بعض الأنظمة المغلقة تماما التي تتحكم في مسار الأحداث، وتحصل على دعم منظومات محلية وخارجية، وتسكت الأصوات المطالبة بالتغيير، فيتراجع دور المثقف ورجل الدين والناشط في سبيل التغيير، ويتحول كل شيء الى حالة من الهمس الذي لايشعر به أحد، ويخشى أن ينكشف أمره فيتعرض الى الأذى.

أسخر كثيرا من حال فئات من الناس، فكل من يوالي نظاما سياسيا يتلائم مع رغباته وطموحاته، ويحقق مكاسب وظيفية ومالية في ظله لايستطيع فهم معاناة الآخرين الذين حرموا من حقوقهم بسبب الإدارة السيئة والتسلط والحكم المستبد وفساد شريحة من المسؤولين، ويتحول الى جندي مكافح لحماية النظام وأركانه لكي لاتهتز وتنهار، وهي معضلة الحكم في البلاد العربية خاصة. فالحاكم قديس حتى يموت، أو يطاح به بفعل تحولات كبرى غير مفهومة في بعض الأحيان.


في ظروف خاصة ينسى الناس خوفهم، ولايفكرون سوى في الخلاص، وحينها نرى شكلا من التمرد غير معهود، وغير مسبوق يقلب الطاولة على الرؤوس، ويظهر مالم يكن ممكنا أن يظهر بظن كثيرين.

إرسال تعليق

0 تعليقات