حكم السؤر بين الفقه
والطب
علي الأصولي
السُّؤْرُ لغةً: البَقِيَّةُ من كلِّ شيء والفَضْلَةُ منه، ويُقال: قد
أَسْأَرْتُ مِن الطعام سُؤْرًا، إذا أَبقَيتَ منه بقيَّة.
والسُّؤْر اصطلاحًا: هو ما يَتَبَقَّى في الإناء من الماء بعد أن
يشرب الشارب، واستُعمِل لما يتبقَّى في الإناء ونحوه من طعامٍ وشراب،
وبهذا المعنى يتضح بأن السؤر لا يختص بالماء بل هو شامل للطعام أيضا،
وأن كان الانصراف هو للماء خاصة لكثرة الاستعمال،
وقد قسم الفقهاء الأسئار إلى: طاهر ونجس،
والطاهر ينقسم باعتبار استعماله في الأكل والشرب والطهارة إلى : مكروه،
ومستحب، ومباح ،
وخص النجس منه هو للحيوان نجس العين كالكلب والخنزير البريين، والكافر
والمتنجس كمن كان على شفتيه دماء أو خمر،
ومثلوا للمكروه، هو سؤر كل حيوان ما عدا الهرة،
والمباح، هو كل سؤر ما عدا ما ذكرنا أعلاه كسؤر الطيور والغنم والبقر والإبل،
والسؤر المستحب للمؤمن خاصة،
بل يتبرك به على ما في الرواية فقد ورد في كتاب ( ثواب الأعمال ) بسند صحيح
ما عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن
الحسن بن علي الوشا، عن عبد الله بن سنان، قال : قال أبو عبد الله (ع) في سؤر
المؤمن شفاء من سبعين داء،
ورجال السند على مبانيهم كلهم ثقات ومحمد بن علي بن الحسين هو الشيخ
الصدوق،
والمقصود من الحديث أن سؤر المؤمن هو بقايا الماء في الإناء ونحوه، فإذا
شرب منها أو أكل فسؤره فيه الشفاء،
وعليه جرت الفتوى بالاستحباب ودونك ( منهج الصالحين ) للسيد الشهيد ( رض) .
ولذا قال بعضهم من الغرابة إن يسكب الماء مثلا بعد أن يشرب أحد المؤمنين بإناء
مثلا، إذ المفروض أن سؤر المؤمن شفاء، وعليه يستحب شرب ما فضل من الإناء مباشرة
بلا سكب،
أقول : إن الشفاء بمعناه الأعم كما يحمل على المعنى المادي، فهو أيضا يحمل على
المعنى المعنوي، كالشفاء من الحسد أو التكبر ونحو ذلك،
وحصر الشفاء بالمعنى المادي ترجيح بلا مرجح، بل قد يكون الدليل على خلافه
أدل فيما لو أثبت الطب انتقال بعض الأمراض عن طريق الأسئار،
وأن كان هذا الرأي مستبعد بالتجربة والبرهان، وما يمكن المصير إليه هو انتقال
العدوى من الأسئار هو فيما لو كان المؤمن مصابا بمرض معد، وهذا المقدار المتيقن
منه، وإذا كان والحال هذه فالشفاء بالسؤر لا يمكن لنا حمله حملا ماديا بل غايته
الحمل من الأمراض المعنوية،
وهذا ما نبه عليه السيد الأستاذ في ( منهج الصالحين ج١)
نعم إذا ثبت المرض والعدوى فلا معنى للاستحباب في المورد لانقلاب المستحب
للحرمة،
وعلى أي حال: ونحن في هذه الأزمة الوبائية لا يمكن المخاطرة والشرب من الأقداح
التي تكون في أماكن التجمعات الدينية منها والسياحية بدعوى أن سؤر المؤمن شفاء من
سبعين داء، سواء كان المقصود بالشفاء المادي أو المعنوي، والاحتياط حسن على كل حال.
0 تعليقات