إلى أين يسير
الاتحاد الأوروبي بعد الـ Brexit … !؟
هاني عزت بسيونى
.. شهدت أوروبا على مدى قرون حروباً أساسها الهيمنة الألمانية ، وفي عالم
ما بعد الحرب الثانية كانت السوق الأوروبية الموحدة حجر الأساس في منع تلك الهيمنة
ضمن صيغة توافقية ، إلا أن انسحاب بريطانيا من التكتل الأوروبي والمسمى Brexit في نهاية
يناير الماضي قد فتح المجال مرة أخرى أمام برلين شاءت أم أبت للسيطرة على القارة
العجوز من منطلق أنها القاطرة الاقتصادية الأقوى …
وتكشف قصة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عيوب السياسة الخارجية
والأمنية للاتحاد الأوروبي حيث يأمل البعض في أن توفر ألمانيا القيادة التي
يحتاجها الاتحاد الأوروبي الآن … فبينما يحتاج الاتحاد الأوروبي الآن إلى إعادة
بناء قدراته المؤسسية بعد خروج بريطانيا ، فإنه يحتاج كذلك إلى دعم من الدول
الأعضاء التي تتمتع بقوتها المؤسسية مثل ألمانيا وفرنسا تحديداً ، فهنالك حاجة إلى
اتحاد فيدرالي لإصلاح خلل تقسيم أوروبا بعد الـ Brexit وعدم تكراره لأسباب أهمها مواجهة القوى
الاقتصادية العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصين ، وأيضاً لتدعيم
الثقة في مصداقية كيانه أمام التجمعات الاقتصادية الأخرى لتحقيق المصالح المشتركة
دون ان يسعى إلى تأسيس دولة أوروبية أو رابطة لدولة متباينة المصالح ، فالأمر
يتطلب أفكاراً جديدة لا تبدو أوروبا الآن قريبة من التوصل إليها في الوقت الحاضر
مع ظروف البريكسيت والأوضاع الاقتصادية السيئة التي تمر بها بعض الدول الأوروبية
والتي يأتي في مقدمتها البرتغال واليونان واسبانيا .… وإذا لم تعمل برلين وباريس
معاً لتوجيه الاتحاد الأوروبي الذي يحتاج للتأقلم مع التحولات الجيوستراتيجية
العالمية لسد الثغرات الخطيرة في سياسة الأمن والدفاع في أوروبا ، فمن هي إذن
الحكومات التي ستقدر على تحمل تلك المسئولية الهامة .؟؟!
ففي حين يرى الرئيس الفرنسي Emmanuel Macron إنه يجب أن يُنشئ الاتحاد الأوروبي مؤسسات
مركزية قادرة على الدفاع عن المواطنين ووضع معايير تنظيمية مشتركة ، فإنه يجب
التأكيد أيضاً على أن الاتحاد الأوروبي ليس مجرد سوق للتبادل التجاري الحر فقط رغم
أن التجارة كانت هي التي جمعته ، وإنما يجب ان يتحول الاتحاد الأوروبي إلى كيان
سياسي موحد التوجهات والقيم التي يجب حمايتها ، أما من الناحية الاقتصادية فلابد
من مراجعة بعض أنظمة السوق الموحد وإصلاح السياسة المتعلقة بالمنافسة الداخلية
والتجارة الخارجية وهو أمر ضروري بالإضافة إلى تأكيد ضرورة تعزيز أوروبا لسياسة
ضريبية موحدة مع سياسة وطنية لحماية العمال ….
وفي حين يتزامن قرار بريطانيا بمغادرة الاتحاد الأوروبي "Brexit"مع
التحولات الجيوستراتيجية الأساسية التي ستؤثر بعمق على مستقبل أوروبا فإن دور
ألمانيا سيكون هاماً وحاسماً في تشكيل استجابة التكتل الاوروبي لهذه التحولات ،
وقد حاول الرئيس الألماني Frank-Walter Steinmeier تبديد مخاوف الدول الصغيرة في الاتحاد
الأوروبي من تزايد الهيمنة الألمانية عقب خروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية فيما
تتوجّس أيضاً فرنسا من تغوّل ألماني قد ُيعّزز مستقبلاً حيث أن الاقتصاد الألماني
يعتمد على التجارة الحرة مع الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي معرباً عن أمله في
ألا يتسبب خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي في أي قلق من هذا النوع ….
المشكلة الآن أن إرادة Macron في إعادة بناء أوروبي لم تجد أي صدى خارج فرنسا فيما تتحفظ
ألمانيا على جزء كبير من الخطة الفرنسية لإعادة إصلاح أوروبا ، كل ذلك يصب
بالتأكيد في صالح روسيا وكذلك الولايات المتحدة الامريكية في ظل ظلال السلبيات
المتعددة للـ Brexit …
… هي فقط مجرد وجهة نظر …
0 تعليقات