آخر الأخبار

أهمية أن نقرأ يا ناس!! (37)







أهمية أن نقرأ يا ناس!! (37)

نصر القفاص


بدأت "واشنطن" فى استخدام "سلاح القمح" مع بداية عام 1966, فلم توافق على بيع "القمح" طبقا لقانون أمريكى برقم "480" بشأن الحاصلات الزراعية, سوى لفترة قصيرة.. وأبرم هذا الاتفاق الدكتور "عبد المنعم القيسونى" الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية فى حكومة "زكريا محيى الدين".. كان السبب أن مصر أصبح لديها فائض فى إنتاج الأرز يتجاوز المائة ألف طن, وكان سعر طن الأرز آنذاك يصل إلى مائة جنيه مصري.. بينما سعر طن القمح أقل من 30 جنيه.. وذلك معناه أن مصر يمكن أن تحقق فائضا فى العملات الصعبة.. وذلك فى السياسة الأمريكية يعنى تجاوز لخطوط حمراء, وهذا العام نفسه كان "الاتحاد السوفيتي" يواجه أزمة فى إنتاج القمح لظروف مناخية.


حدث ذلك على خلفية إفشال مبادرة "عبد الناصر" بإنهاء الحرب فى اليمن, باتفاق مع الملك "فيصل" ولرفضه التدخل لإنهاء حرب "فيتنام" رغم نفوذه وتأثيره القوى هناك.. إضافة إلى تمكن "إسرائيل" من الإمساك بمفاصل "البيت الأبيض" وكذا هيئة الأمن القومى ووزارة الخارجية الأمريكية.. وذلك يعنى أنها اللحظة المناسبة لتوجيه ضربة قاضية لسياسات "جمال عبد الناصر" ونفوذه وقوة "القاهرة" المتصاعد والعميق عربيا وإفريقيا وآسيويا.. بل وامتد إلى أمريكا اللاتينية.


فى شهر ابريل من عام 1966 وتحديدا يوم 8 ابريل.. أستقبل "عبد الناصر" مساعد وزير الخارجية الأمريكي "جورج ماكجى" ومعه السفير "لوشيوس باتل" لتقييم العلاقات المصرية – الأمريكية..


وشهد الاجتماع حديثا واضحا حول كافة الملفات, حتى قال "ماكجى" أن "واشنطن" قلقة من مضى مصر فى مشروع إنتاج الصواريخ والطائرات دون رقابة أمريكية.. وانتهى الاجتماع إلى حالة يقين بأن "واشنطن" لن تقبل من مصر بغير الدخول فى المصيدة الأمريكية كتابع, وهو ما رفضه "عبد الناصر" بحسم.. خاصة وأن "فرنسا" فى ذلك الوقت قد أخذت طريقا مختلفا عن "أمريكا" برؤية "شارل ديجول" الذى بدأ يحدث بينه وبين "عبد الناصر" تقارب أزعج "واشنطن" وكشفت الوثائق الأمريكية كل ذلك بوضوح لا يحتمل شكا أو تشكيكا بعد نشرها والكشف عنها.


فى شهر يوليو تلقى "عبد الناصر" رسالة عاجلة من "ذو الفقار على بوتو" الذى كان وزيرا لخارجية "باكستان" ثم أصبح رئيسا فيما بعد.. وجاءت الرسالة من "جنيف" التى اختارها كمنفى اختياري بعد إبعاده عن منصبه كوزير للخارجية بضغط أمريكي..


وكانت الرسالة تحمل طلبا بلقاء وافق عليه "عبد الناصر" واستقبله يوم 20 يوليو عام 1966, وكان اللقاء مطولا وحفل بتفاصيل تحفظها ذاكرة رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية فى مصر..

ودار كلام "بوتو" حول جملة واضحة قالها بحسم: "أرجوك يا فخامة الرئيس إنهم عازمون على اصطيادك"!! وشرح تفاصيلا خطيرة..


وحين استوضحه "عبد الناصر" حول ما يقصده من "اصطيادك" وهل تعنيه شخصيا أم الجمهورية العربية المتحدة.. قال: "أقصدك شخصيا".. لأنهم عجزوا عن الإمساك بنقطة ضعف كما حدث مع "سوكارنو" حين استقطبوا زوجته كصديقة لزوجة السفير الأمريكى..


وألقوا فى طريقه فاتنة ادعت أنها صحفية!! وهنا كاشفه "عبد الناصر" بأن الضغوط الأمريكية لم تتوقف بداية من موقف شركات البترول بإيقاف عملها فى الذهاب إلى الكشف عن مناطق تحتوى على احتياطات ضخمة.. كذلك بإيقاف مبيعات القمح كنوع من الحصار الاقتصادى.. فضلا عن شبكات التجسس التى تتساقط بين الحين والآخر..


وكانت قضية "مصطفى وعلى أمين" قد مضى عليها وقت قصير.. وطمأن "عبد الناصر" ضيفه بأن ما يهمه هو أن تكون جبهته الداخلية قوية ومتماسكة.. إضافة إلى المضى فى بناء اقتصاد قوى.


قبل أن ينتهى هذا العام.. وتحديدا يوم 19 اكتوبر 1966 وصل "عبد الناصر" إلى العاصمة "نيودلهى" للمشاركة فى قمة دعت إليها "إنديرا غاندى" فى الهند بمشاركة الرئيس اليوغسلافى "تيتو" الذى طلب عقد لقاء خاص مع "عبد الناصر" وكشف له عن أن مطابخ "واشنطن" و"تل أبيب" تتحدث عن أن العرب وضعوا خطة عسكرية للقضاء على إسرائيل خلال قمة فى "الدار البيضاء" عام 1965..


وهنا شرح "عبد الناصر" التفاصيل التى شهدتها قمة "الدار البيضاء" فى إطار المزايدات السياسية وانتهت إلى الطلب من الفريق "على على عامر" قائد القوات العربية المشتركة بإعداد دراسة عن الموقف العسكرى.. وهذا كلام مضى عليه أكثر من عام, فلماذا تم اعتباره شديد السرية, وهو غير ذلك.. وشديد الخطورة على غير الحقيقة؟!


فى هذا الوقت كان "موشى ديان" يتردد على مستشار الأمن القومى الأمريكي, بزعم دراسته لحرب "فيتنام" وإعداد دراسات عنها!!


وكانت رسائل الرئيس الأمريكي "جونسون" تفيض بمعانى الود والتقدير للرئيس "عبد الناصر".. بينما الأخبار تحمل أنباء اجتماعات مثيرة للقلق بين "ليفى اشكول" رئيس وزراء إسرائيل و"رضا بهلوى" شاة إيران..

وكشفت الوثائق الأمريكية أن ذلك كان ضمن بناء تحالف يضم إيران والسودان وإثيوبيا وتركيا.. وذلك واضح جدا فى رسالة بعث بها "بن جوريون" يوم 24 يوليو عام 1958, للرئيس الأمريكي "إيزنهاور" وأوضح فيها أن تلك إستراتيجية تقوم على أن هذا الحزام يضم دولة عربية هى السودان.. ودولتين مسلمتين غير عربيتين هما إيران وتركيا ودولة مسيحية هى إثيوبيا, ومعهم إسرائيل!!


أعرف أنك ستندهش جدا هنا فى ضوء ما تتابعه وتشاهده فى العام 2020, لكنها المعلومات التى يجب أن تعرفها وتقرأها.. لأن إستراتيجية إسرائيل كما أوضحها "بن جوريون" فى هذه الرسالة تقوم على أن: تركيا رادع لسوريا.. وإيران رادع للعراق.. وإثيوبيا رادع للسودان ومصر.. ويروى الجنرال "مائير آميت" رئيس المخابرات الإسرائيلية فى مذكراته, أنه طلب من رئيس وزراء إيران أن تظهر العلاقات الإسرائيلية – الإيرانية للعلن لأن إسرائيل تشعر بأن علاقتهما تبدو كما لو كانت ممارسة "للخطيئة" فأجابه رئيس الوزراء الإيراني قائلا: "وما الذى يضايقكم فى ذلك يا جنرال.. أليس صحيحا أن العشق ألذ من الزواج"!! وإياك أن تقول أن الصورة قد اختلفت.. فالأنظمة تتغير وإستراتيجية إسرائيل ثابتة, تتغير فقط وسائل ومفاتيح تنفيذها.. وللالتفاف على ذلك سعى "عبد الناصر" إلى علاقات جيدة مع إمبراطور إثيوبيا وقرر أن يكون مقر منظمة الوحدة الإفريقية – الاتحاد الإفريقى – فى "أديس أبابا" وكانت تلك خطوة قللت من حماس إثيوبيا واندفاعها تجاه إسرائيل.


عام 1965.. كانت "واشنطن" تقدم لإسرائيل معونة قيمتها 92 مليون دولار, منها 52 مليون مساعدات اقتصادية و40 مليون مبيعات سلاح.. فإذا بها تقفز عام 1966 لتصل إلى مليار ومائة مليون دولار.. أى أنها زادت بأكثر من عشرة أمثال ما كانت عليه.. وذلك كله يؤكد على أن الحرب بدأ الإعداد لها بعد انتصار مصر فى معركة 1956, وما شهده عام 1966 من أحداث مهمة يؤكد أن حرب يونيو لم تقع نتيجة تسخين سبقها بشهرين.. ويكفى أن تقرأ ما قاله "ليفى اشكول" يوم 6 ابريل عام 1966 لجريدة "دافار" الإسرائيلية ونقلته وكالات الأنباء.. وكان بالنص: "يجب أن يفهم الجميع أن الوقت الذى كان يضطر فيه رئيس وزراء إسرائيل إلى دخول البيت الأبيض من الباب الخلفى انتهى.. وحاليا أصبح الباب الأمامى للبيت الأبيض مفتوحا على مصراعيه"!!


كانت المفاجأة أن الملك "سعود" كتب رسالة للرئيس "عبد الناصر" يطلب فيها حق اللجوء السياسى لمصر.. ورغم كل ما فعله الملك ضد "عبد الناصر" تم الإعلان فى القاهرة يوم 12 ديسمبر عام 1966 عن ذلك, وأن خطابه يطلب أن يتم السماح فيه أن يقضى بقية حياته فى بلد إسلامى بعد إرغامه على التنازل عن العرش.. ولأن مصر وافقت على الطلب بعد أن كان الملك "سعود" يعيش فى "اليونان" ثار الملك "فيصل" واعتبر ذلك عملا عدائيا ضده.. وكانت سوريا تتعرض لاعتداءات اسرائيلية كما حدث يوم 14 يوليو 1966 ثم معركة جوية أخرى فى 14 اكتوبر.. واكتملت دائرة هذه الاعتداءات والتحرشات الاسرائيلية بعدوان على قرية "السموع" يوم 13 نوفمبر عام 1966.. وكل هذه المعارك والاعتداءات ناقشها مجلس الأمن.. وخلال لقاء ضم "عبد الناصر" و"يوجين بلاك" مبعوث الرئيس الأمريكى قال: "نخشى يا فخامة الرئيس من نصائح مستشارى الرئيس جونسون بإطلاق حرية العمل لإسرائيل" فرد عليه "عبد الناصر" قائلا: "اسرائيل انطلقت لتعمل فى المنطقة سواء بتصريح من جونسون أو بدونه"!!


كانت إذاعات الأردن والسودان والسعودية ولبنان تهاجم "عبد الناصر" بضراوة منذ مطلع ديسمبر عام 1966, وتشن حملات سباب ضد الجيش المصرى الذى قالوا أنه يختبىء خلف قوات الطوارىء الدولية المتواجدة بعد حرب 1956.. وأن الجيش المصرى و"عبد الناصر" لم يهبوا لنجدة العرب.. بينما اسرائيل كانت تخطر "واشنطن" بأن عام 1967 هو الأنسب لتنفيذ عملية اصطياد "الديك الرومى" حسب وصف "جونسون" وبداية تفويض اسرائيل بمنطقة الشرق الأوسط على اعتبار أن "تل أبيب" فتحت قنوات سرية جيدة مع أطراف عربية فاعلة!!


خدعوك فقالوا أن "عبد الناصر" ذهب إلى مغامرة حرب "5 يونيو 67" وهؤلاء أنفسهم الذين يذكرونك دائما بالنكسة ولا يكفون عن الاحتفال بها.. وهم أنفسهم الذين يمرون مرور الكرام على معركة الحسم فى "أكتوبر 73" والتى قصمت ظهر اسرائيل وأنهت أسطورتها.. ومازالت التفاصيل كثيرة.


إرسال تعليق

0 تعليقات