لكل واحد منا قصته
مع الأم
هادي جلو مرعي
تثيرني وحيدة خليل البصرية المنتشية بأغاني الحب على شواطئ دجلة في فجريات
بغداد حين تغني عن الغرام، وتبكيني حين تغني عن الأم، وتثير مواجعي حين تقول:
غريبة من بعد عينك ييمه
محتارة بزماني
ياهو اليرحم بحالي ييمه
لو دهري رماني
لكن سعدون جابر ينهي تلك الأغنية
في ذاكرة الكثيرين، ويغني بالشراكة مع الشاعر كريم العراقي أغنية عن الأم تقول في
مقدمتها:
يا أمي يا أم الوفا
يا طيب من الجنة
يا خيمة من حب ووفا
جمعتنا بالحب كلنا
وتغني السورية فايزة أحمد عن الأم بلهجة مصرية خالصة:
يا ست الحبايب حبيبة
يا أغلى من روحي ودمي
يا حنينة وكلك طيبة
يا ربي يخليك يا أمي
ولكل منا قصته مع الأم، والحاجة إليها، والحنان الذي كانت تفيض به في كل
الأوقات سواء ونحن صغار لانفهم الأشياء تماما، أو حين وصلنا الى مرحلة الوعي
الكامل، وحتى مع الرحيل والسفر والغياب والعقوق والجفوة، وتفضيل غير الأم عليها. فهي
تظل حانية محبة مضحية صادقة قلقة، وخائفة من حدث ما يصيب الأبناء المغادرين، أو
الذاهبين الى العمل، والغائبين في بلدان بعيدة.
لا يشعر الإبن، ولا الابنة بقيمة الأم وعظمتها، ونوع الحب والحنان الذي
كانت تفيض به إلا بعد رحيلها عن الدنيا، فيظل يبكي، ويندب، ويكتب المراثي، ويدفع
الناس لمشاركته في الحزن، وكأنه يكفر عن خطاياه لأنه يشعر بالتقصير معها، ولأنه
خسر وقته في جمع المال والعمل والسفر، والبحث عن المتع والملذات والطموحات الشخصية
التي لا تملأ الفراغ الذي يخلفه رحيل تلك الغالية الحانية.
لا الشعر، ولا الكلمات المشبعة بالحنين يمكن أن يعوضان عن الأم التي هي
العالم كله لأبنائها صغارا، وحين يكبرون، فهي الوحيدة الأكثر صدقا في عطفها
وشفقتها. فليس من لذة، أو شهوة، أو طمع، أو رغبة في مال، أو سلطان تدفعها الى ذلك
العطف والحنو، ولكن لأنها الأم التي أنتجت أبناءها من حشاشتها، وغمستهم بروحها قبل
أن يخرجوا من رحمها إلى نور العالم.
لكل واحد منا قصته مع الأم يكتبها بطريقته، لكنها لن تكون نافعة حين يغيب
وجه الأم في مقبرة خرساء.
0 تعليقات