ملاكات الأحكام بين الإثبات والنفي
علي الأصولي
من المعروف إماميا أن
لله أحكام واقعية، وهي ما يحاول الفقيه وصولها بالعملية الاستنباطية وفق الأدلة
والقواعد المقررة، وهذا الأحكام مطلوبة لامتثال التكليف تبعا لحق مولوية المولى - سواء
على مبنى القبح أو مبنى حق الطاعة - وطبيعة هذه الأحكام الواقعية وأهميتها تلحظ
بلحاظ مصالحها أو قل ملاكاتها،
والأصل الأصيل هو لا
مسرح للعقل في الجنبة العبادية بقول مطلق لمكان التعبد بما يصدر من الأوامر
والنواهي،
نعم ان أحكام
المعاملات تختلف عن أساسات العبادات،
فالعبادات لها ملاكات
تختلف حقيقة وسنخا عن ملاكات المعاملات، ولك أن تتأمل في قوله تعالى { ان الصلاة
تنهى عن الفحشاء والمنكر } هذه الآية تدل بوضوح أن أساس الصلاة وملاكها
ميتافيزيقي، ولا يستطيع العقل مهما أوتي من الوقوف وإدراك فلسفة وجوب الصلاة،
ودونك وجوب الصيام { يا
أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } وبما
أن التقوى لها جذر روحي غيبي فلا مكان للعقل والوقوف على ملاك أصل الصيام،
بينما الحقل
المعاملاتي، فهو سهل المؤونة بلحاظ أن ملاكاته منوطة بالمصالح العامة للمجتمع
الإنساني، ودونك تحريم الربا وما يترتب عليه من آثار ومفاسد، { احل الله البيع
وحرم الربا }
ما يعنينا في المقام،
إن الأحكام الواقعية يشمل بها العالم والجاهل على حد سواء، والأحكام الظاهرية فهي
وظيفة الجاهل بالحكم الواقعي على ما قرر أصوليا، بصرف النظر عن كون الشبهة حكمية
أو واقعية، ولا يلزم من الإتيان بالحكم الظاهري هو إصابة الواقع فقد يصبه أو لا،
المهم هناك عذر بعد
سلوك الطريق المؤمن في مثل هذه الموارد، فلا الإمارة ولا الأصل العملي كفيل بإصابة
الواقع أصلا، فلو دل عندك الدليل ظاهري على وجوب شيء وهو حرام واقعا فلا تثريب
عليك من هذه الناحية، لأنك بالتالي تتحرك بغطاء حجتي على أي حال، بناء على مسلك
التخطئة أو المخطئة،
نعم، بناء على من قال
بالتصويب فالأمر مختلف،
إذ قالوا: أن الحكم
هو ما يثبت بالدليل وقبل الدليل أي قبل الأصل أو قبل الأمارة لا يوجد حكم واقعي
وإنما الحكم الواقعي هو ما يتوصل إليه العالم أي ما يتوصل إليه الفقيه فلو استنبط
الفقيه في مسألة معينة حكما وكان مثلا الحرمة فسيكون في الواقع هو الحرمة وإذا جاء
فقيه آخر واستنبط من نفس المسالة حكما آخر مثلا الوجوب أصبح الحكم الواقع أو
الواقع هو الوجوب إذن المولى ليس له أحكام واقعية من حيث الأساس وإنما ينشأ الحكم
الواقعي تبعا للدليل المحرز أو الأصل العملي ..
وهنا لا يبقى أحكام
واقعية وفي قبالها أحكام ظاهرية لان ما يثبت بالدليل سيكون هو الحكم الواقعي ويقال
هنا عدم تمامية تقسيم الأحكام إلى واقعية وظاهرية وذلك لان الثابت دائما هو الحكم
الواقعي سواء دل عليه دليل محرز أم دل عليه أصل عملي أو أمارة ..
ولذا ذهب أكابر صناع
الأصول ومحققوه، إن هذا القول فاسد إذ أن الأدلة والأصول جاءت للأخبار عن حكم الله
تعالى ولما جاءت لتخبر عن أحكام الله فإذن نستنتج بوجود أحكام لله وإرادة للمولى
بحصة خاصة فإذن الأدلة أتت للكشف عن حكم الله أي للإخبار عن حكم الله ولم تأتي
لجعل حكم الله إذن هي مبرزة للحكم أي تكشف عن وجود حكم فكيف نفترض أن لا حكم لله
من الأساس وأن الحكم ينشأ من هذا الدليل أو ذاك ؟!
وعليه: وجود الحكم
الواقعي متقدم رتبة على الدليل الكاشف وعلى الإمارة أو الأصل العملي،
والمتحصل لا معنى والذهاب
من يفترض القول وعدم الملاكات كما هو مبنى بعض المعاصرين، وعدم وجود مصلحة في
الحكم أو إرادة للمولى،
ومن حاول الخوض
بالنفي فهو توهم عقلنة الأحكام مع ان القسم العباداتي توقيفي ولا يمكن توسعته بحال
من الأحوال،
ولا يمكن تصور إثبات
الواقع من نفس فهم الفقيه بل الإثبات من نفس الخطاب،
ولذا من ركز وحاول
نفي الملاك والمصلحة هو بناء على نكتة ان ما جاء به النبي (ص) من أحكام تناسب
تاريخ ذلك الزمان وبيئته وعقله وعقل المتلقي، حتى تطرف بعضهم للذهاب نحو عدم
العصمة لتمرير نفي المصلحة والملاك في الحكم،
وهذا ما لا يمكن
الالتزام به على التحقيق،
والحمد لله الأول والآخر والظاهر والباطن
0 تعليقات