هادي جلو مرعي
في العام 1982كنت حزينا لمغادرة البرازيل بطولة كأس العالم في إسبانيا،
وكان الأرجنتيني مارادونا للتو يبزغ كنجم انتقل من سماء بوينس آيريس الى شمال شرق
جزيرة الأرانب ليلعب في برشلونة، وحينها كنت قلقا من تسلط الألمان، لكن الطليان
بمعجزة باولو روسي النحيف عطلوا الماكينات الألمانية، وربحوا الكأس الغالية،
وأتذكر أن أنزو بيروزوت كان مدربا للآزوري المندفع كقطار بلا كوابح.
بقيت إيطاليا تتحرك في الذاكرة كدولة ساحرة، لكنها مقلقة، فدفاعها قوي في
كرة القدم، وتاريخها مبهر كأعظم الإمبراطوربات في التاريخ. بعد كل تلك السنين
وجدتني في القنصلية الإيطالية أحصل على تأشيرة الدخول الى روما والفاتيكان، وكنت
في قاعة الإستقبال أنظر بدهشة للوحات رائعة ذكرتني بليوناردو دافنتشي والموناليزا،
وحيث السفن راسية، والنبلاء يتحركون جيئة وذهابا، بينما وجوه المسافرين العاديين تتوقف،
وتسكن، وهناك حمالون وبضائع قادمة من البحار البعيدة.
إنتقل دييغو ارماندوا مارادونا الى نابولي في الجنوب الإيطالي بعد تألقه في
مكسيكو سيتي عام 1986 وبعد أن قاد عشاق نادي الجنوب حملة لجمع مبلغ سبعة ملايين
دولار لجلب النجم الأرجنتيني الذي كافح ليضع النادي في القمة، لكن نابولي عاد
ضعيفا بعد أفول النجم، وتقلبت أوضاع إيطاليا الإقتصادية، وربما شكلت عبئا على
القارة العجوز، وعاشت بين صراع المافيات، وصراع تجار السياسة، ونظرات الريبة من
الشركاء الأوربيين، حتى حانت لحظة الحقيقة المرة حين ضرب فيروس كورونا المستجد الشمال
الغني في لمبارديا، وفي مدن مثل بيرغامو الغنية التي تحولت من مدينة الأغنياء، الى
مقبرة للموتى الذين يتساقطون كأوراق الشجر.
تخلى الأوربيون عن جارتهم منشغلين بتعداد موتاهم، بينما بقيت إيطاليا مثل
رجل مصاب بالجذام ومعزول، لكن اللافت إن الصين وروسيا وكوبا وهي دول لطالما كانت
محط عدوانية الغرب الذي تتزعمه أمريكا سارعت الى إرسال المساعدات الطبية، والفرق
الصحية الى المدن المنكوبة في الشمال لتضرب مثلا جيدا في التضامن العالمي.
العالم سيتغير حتما، ولن يعود بعد كورونا كما كان قبلها.
0 تعليقات