سجاد الحسيني
الأزمة تعني الشدة والضيق، إن الأزمة التي تمر على الإنسان تعلمه الكثير من
الدروس والعبر ، وتكشف معادن الناس والحكومات التي تتغنى بالديمقراطية واحترام
حقوق الإنسان بل وحتى حقوق الحيوان، والعيش الكريم والضمان الاجتماعي والتي تصرف
مليارات الدولارات من اجل تليمع صورتها الذهنية المزيفة، الواهنة!!
فايروس "كيرونا" ذلك الكائن الخفي الذي "أظهر عجز القوى
المادية المتفرعة التي ظنت انها قادرة على
كل شيء واذا بجيوشهم وأساطيلهم وتكنلوجيتهم التي أعدوها لحرب النجوم فضلاً عن
الأرض كل هذه القوة اليوم تقف عاجزة عن فعل شيء للحد من انتشار الفايروس" الصغير
الذي لايرى بالعين المجردة!! وهذا يشبه كثيرا قصة العنكبوت التي ورد ذكرها في
القرآن الكريم ((مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ
كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ
الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) ( العنكبوت41)
وهنا أود ان أبين صورة مشرقة من صور التكافل الاجتماعي والمواقف الإنسانية
العظيمة التي يسّطرها أبناء الرافدين مقارنة بما تمر به دول العالم وعلى رأسها
الدول الصناعية المتقدمة ، ونرى من الواجب الأخلاقي والشرعي أبراز هذه الصورة رغم
محاولات "الأعور الدجال" إخفائها ودثرها،
الولايات المتحدة الأمريكية راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان المزعومة!! وفي
الأيام الأولى لانتشار الوباء حدثت أعمال السلب والنهب في العديد من الأسواق
والمولات والمعامل في عدد من الولايات الأمريكية ، ورغم تعتيم الإعلام واستعانة
الحكومة بالجيش الأمريكي الا ان أعمال
النهب انتشرت كالنار في الهشيم وخرجت عن السيطرة ، اما في الجانب الاقتصادي ،
الفايروس ازال النقاب عن اهم ورقة بيد أمريكا والغرب بعد اقنعوا العالم بأن
اقتصادهم لايقهر وأن الرأسمالية هي نهاية العالم، إذ تسبب الوباء بإغلاق جميع
المعامل والشركات والمصارف مماسبب إرباك حقيقي لأصحاب رؤوس الأموال والتجار وغيرهم
،
ومن المواقف المخزية التي لاتمت للإنسانية بشيء وواحدة من إرهاصات الواقع
الاقتصادية وانعكاساته على المواطنين هناك ، نجد بعضاً من الحكومات الغربية تدعو
الى تطبيق سياسة (مناعة القطيع) التي تعني عدم اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة
لحماية الشعوب وترك الوباء يأخذ مداه في إصابة الناس ولينجو من ينجو بمناعته
الذاتية ويموت كبار السن والذين يعانون من أمراض مزمنة من دون توفير الأجهزة والعناية
اللازمة لهم حتى ينتهي وجود الفايروس بتحصيل مناعة الناجين وموت من لا يملك
المناعة لتتخلص الحكومة من دفع مبالغ المعونة الاجتماعية لهم والتي تشكّل عبئاً
مالياً على الدولة بحسب وجهة نظرهم رغم ان ما يدفع لهم هو حصيلة الضرائب التي
كانوا يدفعونها خلال مدة عملهم، وبذلك سُحقت كرامة الإنسان عندهم خصوصاً المسنّ
الذي يستحق في شريعتنا كل توقيرٍ واحترام.،
وأيضا سرعان مابرزت مشكلة الإيجارات والفواتير الشهرية ليبقى أصحاب الدخل
المحدود في حيره كبيرة وخوف وقلق حقيقي يهدد حياتهم بينما تقف الحكومات والتجار والميسورين متفرجون
امام معاناة الناس وحيرتهم !! ، بينما عمد أبناء بلدنا إلى التسارع والتسابق فيما
بينهم لتقديم يد العون والمساعدة للآخرين فكانت المبادرات الإنسانية من المواطنين
ومكاتب المرجعيات والمنظمات الخيرية وأصحاب
المولدات وأصحاب الملك من بيوت ومحلات
وفنادق وعمارات وبعض التجار وميسوري الحال
فضلا عن كوادر الصحة والقوات الأمنية بكل تشكيلاتها إلى بذل كل الإمكانيات
المتاحة، فأصحاب الملك عفو المستأجرين من الإيجار حتى نهاية الأزمة، وأصحاب
المولدات اعفو المشتركين من أجور الاشتراك فضلا عن الحملات التطوعية للشباب التي تشمل تعفير
وتعقيم المناطق والمؤسسات والدور السكنية والحملات وغيرها ، وكذلك السلات الغذائية
التي تملأ الجوامع والحسينيات والساحات والتي توزع على العوائل في ظل ظروف الحظر
وتوقف اغلب الأعمال ، وهذه التصرفات عرّفت الغرب والعالم بأسره بعظمة الإسلام
وتشريعاته الموافقة للفطرة الإنسانية والكفيلة بتحقيق السعادة الإنسانية في الدنيا
قبل الآخرة،
هذه الصفحة المشرقة والعلامة المضيئة في تاريخ البشرية التي يجسدها أبناء
العراق بصبرٍ وتفانٍ وإخلاص، ستبقى خير
شاهد ودليل للأجيال المتعاقبة وسيدفع الله تعالى النقم بفضل هذا التراحم باذنه تعالى ، رغم الصعوبات
والمعاناة التي يقاسونها الا أنهم اعجزوا الإنسانية في الكرم والسباق للخير < وَفِي
ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ > ( المطففين 26)
٢ نيسان ٢٠٢٠
0 تعليقات