عز الدين البغدادي
لقد كان الدين هو أحد
أهم أسباب الحرب وهو المحرّك لها في كثير من الأحيان، وعند الوثنيين كان هناك آله
للحرب، كما كان هناك تصوّر عن أنّ الآلهة نفسه كانت تدخل في حرب فيما بينها. ولم
يكن الأمر مختلفا عند الديانات السماوية من حيث تأثير الدين على الحرب، فاليهود
كانوا يعتقدون بأن الرب يطلب منهم أنّ يقتلوا أعداءهم لا فرق بين الكبار والصغار،
فقد جاء في سفر صموئيل الإصحاح الخامس عشر أنّ صموئيل لشاوُل: أنّ الرب أرسلني
لأنصبك ملكاً على إسرائيل .... فأذهب الآن وهاجم عماليق، واقض على كل ما لهم. لا
تعفُ عن أحدٍ منهم، بل اقتلهم جميعاً رجالا ونساءً ورضّعاً بقراً وغنماً جمالاً
وحميراً.
أما في الديانة
المسيحية، فلم تشر مصادرها الأولى إلى الحرب، بل أكّدت على السلام كمطلب لا بدّ أن
يلتزم به المؤمن. إلا أنّ واقع الأمور السياسة غيّرت ذلك، وذلك بعد أن صارت
النصرانيّة ديانة الدولة الرومانية على عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الأول. وهنا
تغيّرت الأمور، حيث أعلن لاحقا القديس أمبروز أن البربر المتمردين على الإمبراطور
المسيحي جراتيان هم أعداء الله في الأرض، وبالتالي فإن محاربتهم واجبة. وهنا لا
بدّ أن تلحظ أمراً هاما يؤكّد على لك سوء تأثير السياسة على الدين، وهو أنّ أمبروز
هذا كان مستشارا لثلاثة من أباطرة روما!! وهذا ما يبيّن لك مدى تأثير وظيفته على
موقفه الديني، حيث كان هذا أول إعلان لذلك لمرحلة استعمال الدين في السياسة.
ثمّ جاء القديس
أوغسطين الّذي كان متأثرا جدا بأمبروز، فوضع نظريته التي عرفت بنظريّة الحرب
العادلة مبرّرا بها استعمال العنف، حيث طرح مسألة استعمال السيف في الدعوة
الدينية، فأفتى في كتابه المشهور "مدينة الله" بأنه إذا رفض الوثنيون
الاستجابة لفضائل وحقائق المسيحية عندما تعرض عليهم، وجبت محاربتهم، معتمداً في
هذه الفتوى على عبارة ذكرها الحواري لوقا في إنجيله ونصّها: "أجبروهم على
الدخول" (مثل الوليمة)، كما تعرّض للمسألة نفسها وبتفصيل القديس توما
الاكويني حيث ذهب لنفس الرأي وأجاز الحرب العادلة.
وهذا ما برّر كثيرا
من الحروب التي حدثت تحت شعار الصليب وما أكثرها، وأما ما حصل من حرب بين
الكاثوليك والبروتستانت، فشيء يفوق كلّ وصف ممكن.
كما سبق وتحدثنا فإنّ
الحرب في الإسلام كدينٍ لم تُشرع إلا لغرض الدفاع. ولهذا يمكنني أن أقول بأنّ
الحرب الدينية في الإسلام لا وجود لها إذا فهم من ذلك بأنّها ما تكون بسبب اختلاف
الدين، أي أن أحارب نصرانيا أو يهوديا لمجرّد كونه يختلف معي في الدين. إلا أنّ
هذا لا يمنع أن يكون الدين باعثا نحو الحرب والجهاد عندما يتعرّض الإنسان لخطر في
نفسٍ أو دينٍ أو أرضٍ أو عرض أو مالٍ وما إلى ذلك.
وأنا هنا أقول لك:
"الإسلام كدين"، لأنّ الحرب قد تحدث بين دول؛ فتحتجّ هذه الدولة أو تلك
بأنّ هذا أمر مشروع دينيّا. ويحدث هذا بشكل خاصّ عندما يحتاج الحاكم إلى دعم رأيه
ودفع الناس نحو الحرب، لذا فربّما تجد بلدين مسلمين تشتعل بينهما حربٌ، وكلٌّ
منهما يدّعي أنّه على حقٍّ دينيّا، ويحشد لذلك أدلة تثبت رأيه، وكأنّ الله يقاتل
معهما معاً، يؤيّد هذا ويؤيّد ذاك. هذا رغم أنّ الحرب لم تنشأ في أصلها بسبب
دينيّ، فقد تكون بسبب مشاكل كتلك التي تكون بن أي دولتين بغضّ النظر عن طبيعتها؛
إلا أنّها تلبس لبوس الدين لكون الدين قادرا على تحشيد الجمهور وقودا لها.
وأدهى من ذلك، أنّ
كثيرا من هؤلاء الّذين تنافسوا لمسائل تتعلّق بالسلطة والسياسة إذا تم تصفية ما
بينهما من نزاعٍ؛ فإنّهما سرعان ما يتركان ما كانا يخوضان فيه من تكفيرٍ وتفسيق،
وإذا بهما يتحدّثان عما يجمعهما من أخوّة الدين!!
ومع ذلك فإنّ عدم
وجود حرب دينيّة في الإسلام لا يلغي عظم أجر الجهاد، بل هو بلا شكّ من أعظم
القُربات. كيف لا؟ والمجاهد يعرّض نفسه للتلف، إلا أنّنا نحارب العدو بسبب عدوانه
ورداّ على ذلك، وليس لكونه يهوديا أو نصرانيا أو هندوسيا أو بوذيا.
نحن بحاجة الى رؤية
جديدة، ترجع الى الجذور الحقيقية للأديان التي تشترك بالحث على نبذ العنف، والنظر
الى كان ما خالف ذلك على انه أخطاء تاريخية وليس تعبيرت عن هذا الدين أو ذاك.
0 تعليقات