عز الدين البغدادي
تستطيع دائما حركات الاستلام السياسي أن تكسب المؤيدين لرؤيتها، وان تثير
حماستهم وان تمثل باستمرار ضغطا على الحكومات كحركات معارضة، لكن هل تستطيع فعلا أن
تدير أمور الدولة وتنجح فيها؟ الجواب: يقف أمام ذلك عائقان كبيران:
الأول: الطائفية: فهذه الحركات وان كانت ترفع شعارات الإسلام إلا أنها في منهجها
الثقافي والفقهي وبحسب بيئتها الاجتماعية ستكون طائفية بالضرورة. وبالتالي فإنها
ستضرب احد أهم مقاصد الشريعة وهي الوحدة، فتتحول هذه الحركات أو تحول الدين إلى أدوات
لتفريق المجتمع الواحد‼
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل هناك ما هو أدهى وأمرّ، فأحيانا يضطر أن يندفع
ليتطّرف في سبيل أن يكسب رضا الجمهور. وهو ما حصل فعلا لا سيّما وأنّ معظم ما
يبذلون من جهود تهدف إلى شيء واحد وهو تحصيل السلطة، ثمّ المحافظة عليها!!
لذا، فقد قلتُ وأقول: إن من ينتقد العلمانيّة عليه أن يقدّم نموذجا لا
يدمّر ولا يمزّق المجتمع، أو يسكت عن نقد العلمانية بدعوى أنّ "الإسلام هو
الحل" لأن ما بيده ليس إسلاما بل مذهبيّة.
الثاني: الفقه السياسي الإسلامي: باعتبار أن هذه الحركات إسلامية ولكونها
تحتاج الى مباركة ورضا المؤسسة الدينية، ولأنها تؤمن بأن الفقه منظومة شاملة فإن
هذه الحركات تتعامل مع الواقع من خلال الفقه التقليدي، وهو فقه تقليدي عاجز اثبت
واقع الحال بأنه غير قادر على أن يقدّم شيئا في هذا المجال بالذات سواء أطروحات لا
تتجاوز قيمتها ألفاظها فهي لا يمكن تحويلها الى واقع، انه فقه لا يعترف بالوطن او
الحدود او المواطنة او الدولة.. السياسة علم مستقل، ولا يمكن ان تنجح رؤية السياسي
الا اذا انطلق من السياسة وإلا فإن الأمر سيكون كما لو حاول طبيب ان يفهم الطب من
خلال النصوص الدينية او الفتاوى الفقهية. بينما هما أمران مختلفان في موضوعهما وفي
منهجهما.
لا يمكن لحركات الإسلام السياسي أن تنجح ما لم تحدد وقبل كل شيء مشاكلها
النظرية، لكن ليس بطريقة التبرير أو الترقيع، بل برؤية تنطلق من فهم الواقع وطبيعة
الحياة وإمكانياتها وليس من خلال التنظيرات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
أقول هذا وأنا انظر باحترام لمعظم قادة الإسلام السياسي في مرحلة التنظير
والمعارضة، فقد انطلقوا من شعور عال بالمسؤولية.. لكن هذا غاية جهدهم.
0 تعليقات