عز الدين البغدادي
في قضايا الفكر، لا يمكن لرؤية ما أن تكون منتجة ومفيدة ما لم تستند إلى
منهج. ومما يقتضيه المنهج أن تكون هناك أرضية واحدة أو مرجعية واحدة للتفكير، حتى
لا تتناقص الأفكار أو أصول الأفكار فيما بينها، وكأن كل فكرة هي نتاج شخص مختلف.
كان لي صديق منزعج جدا مثلي من جماعات الإسلام السياسي، وما أحدثته من خراب
وفساد.. لكن الرجل بسيط وطيب وصار يعترض وينتقد أي شيء، سخر مرة من مفهوم "الشرف"
الذي يرتبط بالجنس، وقال بان شرف الإنسان ذكرا كان أو أنثى لا يرتبط بقطعة لحم من
جسم المرأة كما عبّر، ويفهم من هذا انه لا يؤمن بالقيود المشددة على الحياة الخاصة
للإنسان أو لا يعتبرها المقياس الأهم للتقييم (أو التقويم على الأصح). لكنه عاد
بعد ذلك لينتقد وبشدة زواج المتعة، وقع في نوع من التناقض، ولهذا قلت له: رأيك هذا
يتعارض مع الرأي السابق، لأنه رأيك الأول ينبغي أن تكون متساهلا مع درجة من الحرية
الجنسية (المشروعة) التي توفرها المتعة لا سيما بالنسبة للمرأة المكبوتة غالبا. ومعنى
هذا انك واقع تحت تأثير الانفعال والانزعاج، وبالتالي فأن طرحك ليس موضوعيا.
كلنا عانينا ونعاني من ظلم الأحزاب الإسلامية وطروحاتها البالية إلا ان
كثيرا من الشباب صار يعتقد بأنه سيكون مثقفا وحرا إذا انتقد كل شيء أمامه، الدين،
الهوية، الانتماء، الأخلاق، كل شيء. تجده يحلل وينتقد أي شيء، ويستهويه من ينتقد
أي شيء دون قواعد تفكير.
الثقافة منهج، وعقلانية، وفهم للأمور، وقدرة على التحليل.. أما ما يمر به
كثير من الشباب، بل جزء كبير من المجتمع فهو صرخة احتجاج وتعبير عن ألم وإحباط،
انه مجرد مراهقة فكرية واندفاع مؤقت وتمرد لأجل التمرد، وهذا لن ينتتج شيئا، بل
سينتهي تمرده بعد مدة.. أنها تشبه حالة الشاب الذي يقضي جزءا من شبابه باللهو ثم
بعد ان يتزوج ويتحمل مسؤولية الحياة يتحول الى سلوك أكثر عقلانية بدون ان يكون قد
كسب شيئا غير وقت ضائع.
نحن بحاجة فعلا ان نراجع تصوراتنا ومفاهيمنا، وان نصحح ونعالج، لكن ليس على
طريقة: الاعتراض لمجرد الإعراض أو وفق مقولة: خلقت لكي اعترض.
0 تعليقات