آخر الأخبار

الهلال والشهور والمعيار الزمنى (1)





 

محمود جابر

 

 

تعتبر رؤية الهلال و تحديد بدايات الأشهر الهجرية من أكثر مواضيع الجدال بين الخاصة والخاصة والخاصة والعامة، ويزداد هذا الخلاف مع اقتراب شهري رمضان المبارك و شوّال وذو الحجة ، و قد رافق انتشاره ظهور بعض الاعتقادات و المفاهيم غير الصحيحة المتعلقة برؤية الهلال، و للأسف الجهود المعرفية او التى تلقى الضوء عن هذا الموضوع قليلة جدا ولا تعطى الموضوع قيمته التى يستحقها على الرغم من أهميته الدينية والدنيوية المعيشية، إذ يترتب على رؤية الهلال تحديد بداية و نهاية الصيام و تحديد أيام الحج و تحديد مدة انقضاء الحول لوجوب الزكاة و غيرها من الأمور الشرعية الأخرى،  وهذا الصراع والجدال والخلاف الذى بين المذهب الواحد أو المذاهب المختلفة أو بين فئة الفقهاء والمراجع من جهة وفئة العلماء الفلكيين من جهة أخرى أخذ قدرا غير محتمل من الضجيج، والتسقيط والتشهير ، فكان لا بد من إلقاء الضوء على موضوع الهلال بشكل خاص وموضوع الزمن بشكل عام .

 

 

الزمن :

 

الزمن هو مادة هذه الحياة، والروح التي تجري في عروقها، فما الحياة في حقيقتها إلا زمنٌ يمرّ ويمضي، ومن أدركَ الزمن على حقيقته فقد أدرك هذه الحياة على حقيقتها، وبانتَ لـه معالم الطريق الذي ينبغي سلوكه.

 

وما الزمن إلا حياة الأمم، إذا حافظت عليه دبّت الحيوية في شرايينها، وإذا أهملته واختلفت فيه أمْسَت هامدة خامدة لا روح فيها ولا حياة وهذا حال نراه بأم أعيننا.

 

 

والناظر في أحوالنا اليوم يتملّكه الحزن الشديد لما يرى من تضييع الأوقات والاختلاف فى المواقيت بشكل يثير السخرية أحيانا ويثير الاستياء أخرى .

 

الزمن في اللغة: اسم لقليل الوقت وكثيرة. يُقال: زَمانٌ وزمَن، والجمعُ أزمانٌ وأزمنة. ويقال: أَزمَنَ الشيء؛ أي طال عليه الزمنْ، وأَزْمَنَ بالمكان؛ أقام به زماناً. ويقولون: لقيته ذات الزُّمَيْن؛ فيُراد بذلك تراخي المدّة. والزمن والزمان لفظتان تحملان نفس المعنى، ولا فارق بينهما فهما تنتميان إلى مادة لغوية واحدة.

 

وبالنظر في القرآن الكريم فإننا نجد أنه لم يستخدم مصطلح «الزمن» ، وإنما وردت فيه ألفاظ دالة على الزمن، ومن ذلك:

 

 

-         الوقت معلوم . قال تعالى: (قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) 14 . الأعراف.

 

 

والسنة معروفة  قال تعالى : (إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) 63 التوبة.

 

وأن الذى يعرفنا السنين هو القمر وليس الشمس وذلك لتغير وجهه كل يوم وفى هذا قال تعالى بسورة يونس (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) 5 يونس.

 

وإن عددها 12 شهرا فى السنة مصداق لقوله تعالى بسورة التوبة (إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) ومن الـ12 شهرا 4 حرم أى حرام جعلهم الله كذلك لزيارة البيت الحرام وفى هذا قال فى نفس الآية "منها أربعة حرم "ولذا جعل الله الحج أى زيارة البيت له أشهر فقال بسورة البقرة (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ) 197 البقرة .

 

 وقد بين الله أن الأشهر الأربعة محرم فيهم القتال ولذا يسيح أى يتحرك فيهم الناس بأمان فى الأرض يأمنون فيها حرب المسلمين وفى هذا قال تعالى بسورة التوبة (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) 2 التوبة.

 

 وأما بعد مرور الأربعة أشهر فالواجب هو قتال المشركين المعتدين غير المعاهدين لقوله بسورة التوبة (فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) 6 التوبة.

 

والشهر الوحيد الذى ذكر فى القرآن الحالى هو رمضان وقد نزل فيه القرآن حيث قال تعالى بسورة البقرة (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ) 185 البقرة.

 

وفى رمضان ليلة القدر التى هى خير من ألف شهر مصداق لقوله تعالى بسورة القدر "ليلة القدر خير من ألف شهر " القدر.

 

 

وقد بين الله لنا أن عدة المطلقة التى لا تحيض 3 أشهر فقال بسورة الطلاق ( واللائى يئسن من المحيض من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر ) وعدة الأرملة 4 أشهر وعشرة أيام وفى هذا قال تعالى بسورة البقرة (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) وهذا فى المصحف الحالى الموجود بين أيدينا الذى نقرأه صباح مساء.

 

ومما سبق وغيره الكثير ندرك أهمية الوقت والزمن ومعرفته والاتفاق عليه .

 

المعيارية الزمنية للوقت :

 

الإنسان يعيش غير الحياة حيوات أخرى، يعلم بعضها ولا يعلم باقيها، وأزمنة هذه الحيوات هى بكل تأكيد أزمنة مختلفة تمام الاختلاف عن حياتنا، ولكن الله تعالى لما حدثنا عن هذه الحيوات وما يحدث فيها من أحداث تخضع للزمن، فقد حدثنا بها مقرونة بأزمنة الدنيا التى نعيها ونعرفها، وقد خلا كتاب الله تعالى وخطابه للناس من فكرة الزمانين المقدس والمدنس أو العلمائى والعلمانى والديني والدنيوى ولكنه زمان واحد ووحيد فى هذه الحياة وحتى فى الحيوات الأخرى فإن الزمان الذى يحدثنا عنه الله تبارك وتعالى يقيسه لنا حتى نعرف وفق ما نعرف من زمن واحد ووحيد وهو الزمن الدنيوى .

 

 

وفى هذا قال تعالى بسورة الحج "وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ".

 

ويوم القيامة يساوى 50000سنة من سنوات البشر وفى هذا قال تعالى بسورة المعارج (تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ).

 

 

وقد خلق الله السموات والأرض فى ستة أيام إلهية وفى هذا قال تعالى بسورة ق (ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام ).

 

 

وعليه فإننا نرى أن ما يحدث من خلاف واختلاف حول تحديد الشهور والأيام القمرية محض خروج عن تعاليم الله تعالى وأمره لنا بأننا أمة واحدة ولسنا أمم متعددة بأزمنة متعددة ومختلفة ومتضاربة.. وان اختلاف الأمة وعدم وحدتها فى الزمان يعنى عدم وحدتها فى العبادة يعنى خروجها عن المقصد الشريع لما أمرنا الله تعالى به .

 

قال تعالى ( وان هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون )...

 

وللحديث بقية ...


إرسال تعليق

0 تعليقات