عز الدين
البغدادي
تفاجأت جدا حينما
أخبرني صديق عزيز عن جماعة من الشباب العراقيين يصومون شهر رمضان في الشهر أيلول،
بدعوى أن شهر رمضان ثابت وأنه لا يكون إلا الصيف بأي حال، وقد اعتمدوا في ذلك على
مقولات اعتمدها الخطيب السيد فرقد القزويني. كما أخبرني أنهم يتوجهون في قبلتهم
إلى الغرب جهة مدينة البتراء في الأردن!! بدعوى أن مكة ليست في موقعها المعروف
الآن بل هي في الحقيقة في البتراء وفق نظرية دان جيبسون المؤرخ الكندي‼
ومنذ سنوات طلب مني
بعض الإخوة كتابة شيء عن الموضوع، وكنت للأسف أؤجل ذلك من وقت إلى آخر. إلا أني
رأيت أن الأمر طال جدا، فرأيت أن اكتب في الموضوع.. ولا بد أن نقدم فقول:
التقويم القمري هو
تقويم يعتمد على دوران القمر حول الأرض والذي نعرفه من خلال التغير في شكل القمر،
حيث يبتدأ الشهر في اليوم الذي يظهر فيه الهلال وينتهي في اليوم الذي يسبق الهلال
الذي يليه. والشهر القمري يتكون من 29 يوما و12 ساعة و44 دقيقة و 2.8032 ثانية. وهناك
أمم كثيرة تعتمد في تقويمها على هذا الشهر، منها التقويم العربي (الهجري) والصيني
والعبري والهندي كلها تقاويم قمرية.
أما التقويم الشمسي
فإن السنة فيه يتم احتساب عدد أيامها من دوران الأرض حول الشمس، فكل دورة تعني
إتمام سنة شمسية ، وتستغرق الأرض لإكمال دورة واحدة حول الشمس ما يقرب من حوالي 365
يوم و 6 ساعات تقريباً ، وبين السنة القمرية والشمسية فرق بحدود 11 يوما ( بالضبط 10.875
يوم ).
السنة الشمسية ترتبط
بحركة الأرض حول الشمس وهي الحركة التي تؤدي الى تكوين الفصول الأربعة، وبالتالي
فإن الفصول تكون ثابتة، فشباط لا يكون إلا في الشتاء وتموز لا يكون إلا في الصيف
وهكذا، بينما من الطبيعي أن يختلف الأمر بالنسبة للسنة القمرية بسبب وجود الفرق
بينهما، حيث يحصل تراع مستمر بمقدار 11 يوما كل سنة، لذا يكون رمضان مرة في الصيف
وبعد سنين يكون في الربيع ثم الشتاء وهكذا، وهو أمر محسوس.
والآن من ملاحظة ما
قدمه الخطيب القزويني في الفيديو المرفق أعلاه، فستجد أنه وقع في مغالطات عجيبة، وأهمها:
1- انه ابتدأها حينما
قال بأن السنة الهجرية بدأت سنة 622 م، وهذا واضح، لكنه قام بعملية حسابية بسيطة
ورغم بساطتها إلا أنه أخطأ فيها خطأ منطقيا فاحشا، حيث جمع 622 (هجري) مع 1437 ( ميلادي)
وكانت النتيجة هي 2059 م، بينما نحن الآن في سنة
2- ذكر بأن العرب
كانت تقوم بما يعرف بالنسيء، حيث كان يضاف الفرق كل سنتين وثمانية أشهر حتى تبقى الأشهر
في مواسمها، وقد فاته بأن القرآن اعتبر النسيء من الكفر بل وصفه فقال: ( إنما
النسيء زيادة في الكفر ) فكيف يعتمده كأساس للتصحيح وقد نهى عنه الشارع؟ وكيف كان
الناس يعتمدون النسيء كما زعم لتصحيح الصيام الذي شرع في الإسلام؟ والغريب أنه
تحدث عن الفرق بين قرائتي (يَضَل ) و (يُضَلَ ) رغم انه لا فرق بينهما في النتيجة
فيما يتعلق بموضوع البحث لأنه وصف النسيء بأنه (زيادة في الكفر ).
مع إنه لم يذكر أحد
من المؤرخين أن النسيء كان الهدف منه هو ترتيب الشهور حتى تبقى في أوقاتها من حيث
الفصول، بل كانوا بحيث يحلون الشهر من الأشهر الحرم ويحرمون مكانه الشهر من أشهر
الحل، وهو قول الشاعر مفتخرا:
ألسنا الناسئين على معدٍ شهور الحل نجعلها
حراما؟
وهاتان النقطتان هما
أهم ما يذكر في الرد، إلا أنه ذكر أمورا أخرى، منها:
3- قال بأنه لا يوجد
تاريخ يدور الا تاريخنا، وهذا غير صحيح منطقيا لأن كل سنة قمرية تدور ( كالعربية
واليهودية والصينية والكورية والهندية والمنغولية) لسبب بسيط وهو أنها لا ترتبط
بدوران الأرض حول الشمس.
4- ذكر دلالة أسماء الأشهر،
حيث ذكر بأن رمضان هو مطر الخريف، وجمادى تجمد فيه البذور، وهو خلاف ما قاله
اللغويون والمفسرون، فأما رمضان فذكر بأنه سمي بذلك لشدة الحرّ فيه عندما أطلق
عليه هذا الاسم، وقيل أخذ من حرارة الحجارة لما يأخذ القلوب من حرارة الموعظة والفكرة
والاعتبار بأمر الآخرة . قال الخليل: الرمضاء الحجارة الحارَّة ، ورمض الإنسان إذا
مشى على الرمضاء، فسمي رمضان بذلك لأنه يرمض الذنوب اي يحرقه .
وحتى من ذهب الى ان
الرمض هو مطر الخريف فقد فسر ذلك بأنه هذا الشهر كالمطر يغسل ذنوب الإنسان، ولم
يذكر أحد أنه كان يوافق الخريف.
وأما شهر جمادى فقد
ذكر بأنه الشهر الذي تجمد في الحبوب‼ بينما يذكر بأنه سمى بذلك في عهد كلاب بن مرة
الجد الخامس للرسول، وذلك نحو عام 412م. وتذكر الروايات أن السبب في تسمية هذا
الشهر بهذا الاسم أنه اتَّفق عند تسميته ـ هو وجمادى الأولى ـ أن الماء كان يتجمد
فيهما من شِدَّة البرد.
وهناك من ذهب الى أن
أسماء الأشهر موضوعة لغير معنى، وهذا صحيح إذ بما إنها أسماء علم، فإنها لا ترتبط
بمعانيها الأصلية ككل الإعلام، كما لا يشترط فيمن اسمه كريم أو عابس أو صلاح أو
حسن أن يكون كاسمه في المعنى.
5- قال بأن (ما دمتم
حرما) أي ما دمتم في أشهر الحرم، وهو تفسير عجيب غريب لم يقل به أحد، فان تفسيرها
هو ما دمتم محرمين.
6- ذكر بان السيد
باقر القزويني تعبد ليلة القدر سنة كاملة‼ ولا أدري أي منطق في أن يتفرغ إنسان سنة
كاملة لإحياء ليلة القدر؟ ثم في آخر يوم من السنة –كما ذكر- فتح السقف ولا ادري
كيف فتح ونزل منه الملكان؟ ولا أظن ان الملكين كانا بحاجة لفتح السقف حتى ينزلا،
ولا ادري كيف رأى سيد مهدي ماذا كتب في الصحف؟ ولا اعرف كيف تنسجم قصص كهذه مع
منهج تنويري يدعيه المتكلم؟
7- قال بأن الخلل
الذي حصل في وقت الأشهر هو ما جعلنا نصوم في رجب ونلطم على الحسين في العيد، وهذا
خطأ فإن الصوم هو على ما كان عليه السلف الأول وهو أمر محدد مأخوذ يدا بيد، وأما
اللطم فهو ليس عبادة شرعية ولا أمرا مطلوبا فحيثما يلطم فإنه لا حكم له.
8- صوم شهر رمضان
مبني على المشقة، ودوران الشهر أمر طبيعي بحسب طبيعة الشهر، ولما كان الصوم مدرسة
صبر، فقد ناسب ذلك ان يمر الإنسان بظروف مختلفة في عبادته فلا عجب في ذلك، لأنه
الأمر جاء على الأصل كم جهة كون الشهر قمريا ومن جهة كون الصيام مبني على المشقة
والصبر.
9- كبس السنة تحدث
لتضييع الفروق القليلة في طول الشهر، فمثلا زمن السنة الشمسية هو 365 يوم و 6
ساعات تقريباً، فيكون هناك زيادة ست ساعات، في اربع سنوات يكون هناك 24 ساعة اي
يوما كاملا، فيضاف يوم الى شباط ليضبع الفرق، وهو فرق واقعي موجود، وليس إضافة
تبرعية في سبيل ان تتساوى السنتان الشمسية والقمرية كما ادعى المتكلم دون أي يأتي
اي دليل لى ذلك، مع العلم أن الفرق هو 6 ساعات تتراكم خلال أربع سنوات وليس 11
يوما في كل سنة، وإلا ما معنى أن تكون السنية قمرية إذن؟
10- سأل بعض الأخوة
عن معنى قول الإمام السجاد (ع) في دعائه في توديع شهر رمضان: " إنا أهل هذا
الشهر الذي شرفتنا به، ووفقتنا بمنك له حين جهل الأشقياء وقته " ولم يبقى شيء
يقتضي أن نأخذ بهذه الدعوى الباطلة الفاسدة، لذا فإن تفسير "حين جهل الأشقياء
وقته" أي إنهم لا يهمهم هذا الشهر، ولا يبالون به حتى إنهم لا يدرون فى اى
وقت.
وأخيرا اذكر من طرح
هذه الشبهة بأن كل مفت ضامن، وبغض النظر عن سبب هذا الطرح، هل هو تزييف متعمد
الحقائق أم هو غياب للمنهج أو طلب للشهرة؟ لكن بأي حال فإن من تسبب في إيقاع كثير
من الناس في هذه الإشكالات في وعيهم وفي عبادتهم، وفي تشكيكهم بدينهم بغير وجه حق
ولا منطق فإن عليه أن يستغفر الله مما وقع فيه وينبه لهذه الخطاء الشنيعة التي لا
دليل عليها ولا برهان….
والله المستعان.
0 تعليقات