آخر الأخبار

التعامل مع فيروس كورونا (١٧) [فقه الوبائيات]









احمد مبلغي⧪




[قد وُفّرت نقطة مهمة في هذا المنشور، وهي أنه قد تم فيه تحليل اجتماعي ونفسي للآية الشريفة "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا..." .


من المهم أن الآية تشرح في الواقع كيف يرتبط الموقف الاجتماعي بالحالة النفسية].




طرحنا في الحلقة السابقة، هذا السؤال: هل بإمكان تقوى القلوب أن يضع ويوفر دعما فكريا دينيا عميقا وراء الشعائر؟

الجواب يتضح عبر الالتفات الى النقاط التالية:

١. للتقوى منطق ديني يجب الكشف عنه:
إن التقوى في المنطق الديني، إذا تم تعريفه وتحديده وتفعيله بنحو صحيح، يكشف هذا المنطق، عن عمق نظرة الدين لمشروع الشعائر الدينية.




٢. تأثير التقوى على عملية الالتزام بالشعائر:
في هذه الحالة، إذا توفرت وحصلت النظرة التقوائية العميقة لدى المتدينين، فهي تجعلهم أن يفعلوا الشعائر ويعظمونها بجدية وعمق ودقة وفهم وعزم، لا أن تتحول لديهم شعائر الله الى طقوس جافة وبدون روح آل أمرها إلى إجراءات تأخذ وضعا اعتياديا، تحدث دون الانتباه إلى محتواها.




٣. إثبات المدعى عبر نظرية المواجهة:
من أجل معرفة عمق تأثير التقوى كموقف للتفكير الصحيح من جهة، والسيطرة من جهة أخرى، يجب علينا أن نقدم ونقبل نظرية "المواجهة بين التقوى والعديد من المفاهيم والحالات والظواهر التي تؤدي إلى القبح". لتوضيح هذه النظرية ، نقوم بتحليل الآية "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى".


إذا نظرنا عن دقة وكثب إلى هذه الآية، نرى أن هذه الآية ركزت مرتين على العامل الداخلي، فمرة، على الشَنَآن، وهو حالة داخلية، كما هو معلوم؛ حيث إنه بمعنى: الحِقْد والبُغْض، فوفقًا لهذه الآية، فان حالة الكراهية واحساس العداوة، تخلق وتمهد وتقوّي الطريق لعملٍ ضد العدل، ومرة ​​أخرى، على العامل الداخلي أيضا، وهو تَقْوى القلب (حيث إن التقوى أضيف إلى القلب، فهو أمر داخلي)، وهذه الحالة القلبية يخلق ويمهد ويقوي الطريق للعدل.

لذلك يتضح أن الحالة الداخلية حسب المنطق القرآني تخلق الدوافع، والدوافع تخلق الاتجاهات، والاتجاهات تصنع السلوكيات؛ إذ أن:


--) لفظة "شنآن" تعكس ما يعدّ حالة داخلية.



--) لفظة "ولا يجرمنكم على..." تعكس ما هو الاتجاه الذي يجذب الإنسان الى جهة، ويحمله على عمل خاص.


--) لفظة "الّا تعدلوا" تعكس السلوك غير العادل الذي يتم على أساس ذلك الاتجاه.

وفي مقابل هذه الثلاثة ، لدينا ثلاثة أخرى على النحو:

--) لفظة "التقوى" تعكس ما هي حالة داخلية.


--) لفظة "هو أقرب" تعكس الوضع الاتجاهي الذي يجذب الإنسان الى جهة تقوى الله ويحمله على فعل العدل.

-- لفظة "اعدلوا" تعكس السلوك العدلي الذي يتم على أساس ذلك الاتجاه الأقربين (هو أقرب..).

٤. مواجهة التقوى والتعصب:


ما قلناه يعكس المواجهة بين التقوى والعداء. يمكننا أن نعتبر هذه المواجهة بين التقوى والتعصب. ذلك من أجل: أن التقوى هي حالة داخلية وقلبية (يقول الله سبحانه: "فإِنَّها مِنْ تَقْوَى القُلُوب، الحج، ٣٢")، كما أن التعصب هو أيضا حالة تحدث داخل الإنسان وقلبه، (يقول الإمام علي بن أبي طالب في هذا الصدد: "كمن في قلوبكم من نيران العصبية، نهج البلاغة، ٢. ١٤١.".)


فكل من هاتين الحالتين تخلق اتجاهات خاصة، وهذه الاتجاهات تخلق سلوكيات خاصة.



٥. الرسالة الرئيسية التي ترسلها الآية:


في الواقع، الرسالة الرئيسية التي ترسلها الآية المذكورة أعلاه هي أن المكان الذي يتم فيه تكوين الدوافع، مما يجب التركيز عليه، وهذا هو القلب وداخل الإنسان. إذا استقر في هذا المكان، الحقد، فإن الإنسان سيذهب إلى الظلم تلقائيًا بحيث قد تختفي عليه عملية هذا الذهاب، أي دون أن يدرك واقع هذه العملية؛ حتى يمكن أن يلبسه لباس العدالة، كما أنه إذا كانت هناك عصبية في داخل الإنسان، فإنه يتجاهل المعايير الحقيقية للشريعة، - حتى لو كانت مهمة- ويتشبث بالمظاهر.



٦. النتيجة:
انطلاقا من ذلك، ليس من الصحيح اعتبار التقوى مسألة بسيطة، بل إنه يحتل مكانًا مهمًا مثل القلب، والقلب هو مكان إنتاج الدوافع، والدوافع تعين وتحدد الاتجاهات والسلوكيات.التقوى، إذن ، هو في الأساس طاقة فكرية وروحية قوية للقلب لا تتوافق مع العديد من الحالات الروحية والداخلية التي تخلق الدوافع الخاطئة وتقود البشر إلى الأعمال القبيحة. والبشر، كما نعلم، يبررون أفعالهم عندما يتصرفون على أساس الدوافع الداخلية؛ وهذا يعني أن ما يفعله هو في الحقيقة ظلم ، لكنهم يعتبرونه عدلاً. أو أن عمله مخالف لروح الشريعة ومناطاتها حقًا ، لكنهم يعتبرونه في خدمة شعائر الشريعة.





٧. تفعيل الفقه الأكبر ضروري:
ومن هنا نفهم أن تفعيل الفقه الأصغر بالنسبة للشعائر لا يكفي، ولا ينجر الى تعظيمها كما أراد الله سبحانه منا، بل نحن بحاجة الى تفعيل هذا الفقه الأصغر بالاعتماد على تعميق الفقه الأكبر والتوسع في نطاقه وتنشيطه، بمعنى أن الفقه الأصغر في نفس الوقت الذي هو ضروري وأصيل، فإنه محتاج الى أن يستفيد من الطاقات الفكرية التي كمنت في الفقه الأكبر.






التعامل مع فيروس كورونا [فقه الوبائيات] (١٦)


سماحة الشيخ أحمد مبلغى مرجع دينى ايرانى 

إرسال تعليق

0 تعليقات