عز الدين البغدادي
لا يمكن للدولة أي
دولة كانت أن تتماسك أو تنهض دون أن تكون لها هوية واضحة، لكن كيف يمكن للدولة ان
تكون هويتها او تختارها؟ هل يمكن ان يكون الدين عامل وحدة؟ وهل هناك ما يمنعه من
ذلك؟ هل يمكن ان تحقق النظرية القومية في بلد متعدد القوميات هوية جامعة؟
قبل كل شيء علينا ان
نفرق بين الدين بما هو وبين أفكارنا التي نحملها عنه، ومن لا يدرك الفرق او لا
يعترف به فانا أضع أمام عينيه أمرين: الأول هو التأثير المذهبي على الإسلام
باعتبار ان المذهب هو النظارة التي نرى الإسلام عبرها ولا نفهمه الا من خلالها،
والثاني الفهم الاجتماعي للدين لا سيما في جانبه الطقوسي.
إذن نحن لا نتعامل مع
الدين بما هو بل معه من خلال المذهب ومن خلال فهم المجتمع له، وهذا يعني ان الدين
بالنسبة لنا لم يعد أداة جمع، بل صار عنصر تفريق، لأننا ببساطة لا نعرف منه العنصر
الجامع (رؤيته الأصلية) بل الجانب المفرّق (المذهبي). وليس هذا فقط بل تحول الدين إلى
أدوات بيد الدول الأخرى لتحطيم مشروع الدولة المستقلة والتغلغل في المجتمع والدولة
معا، لخدمة مصالح تلك الدول. وما لو نطور رؤيتنا للدين، رؤية واقعية قابلة
للتطبيق، فعلينا ان نكف عن اي محاولة لاعتباره عنصرا جامعا.
أما القومية، فهي
تنظر الى السمات الثقافية المشتركة للأمة، وتنطلق منها. وهي تتعامل مع الدين
التعامل الصحيح برأيي، وهو التعامل من خلال قيمه ورؤيته الأخلاقية، وهذا هو الجانب
الجامع في الدين.
لكي لا يكون الكلام
نظريا، للنظر الى تجربة السلطة في العراق بعد 2003، فالعرب في العراق حركهم الجانب
الديني، لكن كما قلنا ليس الدين بما هو بل الدين وفق رؤية مذهبية واجتماعية
متخلفة، فتفرقوا وتنازعوا بين جهة ترى نفسها محرومة من حق لها في السلطة عمره 1400
سنة ومتعطشة لها، ومن جهة خسرت السلطة فالتجأت كرد فعل إلى رؤية دينية معاكسة،
وكانت النتيجة فسادا وإرهابا دمر العراق بكل ما فيه.
أما الإخوة الأكراد
أو الكرد، فقد التفوا حول عنوانهم القومي، وتجاوزوا كل ما يفرقهم، وتصور لو انهم
اخذوا مثلا بالرؤية الدينية لكانوا (باعتبار ان غالبيتهم من السنة) خسروا الأكراد
الشيعة وهم كثيرون، والأكراد غير المسيحيين، بل وعموم المسيحيين واليزيديين في الإقليم.
وماذا كانت النتيجة؟ رغم ما هو موجود من فساد ومركزية مبالغة في كردستان؛ إلا أن
ما حققوه كان كبيرا جدا قياسا لما حصل في المناطق العربية في الوسط والجنوب.
هناك جهتان لا يمكن
لهما ان ينهضا بالأمر: الأحزاب الإسلامية والمؤسسة الدينية، أنها المؤسسة التي لا
بد ان تكون تحت سقف الدولة، لن تحتاج الى سلطة خاصة بها او وضع خاص تتميز به، وهذا
ما سيريحها من تحمل مسؤولية لم ولن تقدر عليها.
لنستفيد من تجارب
الأمم، ففي أوربا لم تتكوّن الدولة الا بعد ان تجاوزت سلطة المؤسسة الدينية، وصارت
تخدم أو تتماشى مع مشروع مؤسسات الدولة. وهذا ما حصل أيضا في إيران وأيضا في
تركيا، عندما صارت المؤسسة الدينية خاضعة للدولة، وصارت اللغة والثقافة القومية هي
التي تحدد المصالح.
لا يعني هذا الطرح
والتأكيد على الهوية القومية بأن علينا ان نكرر أخطاء الماضي، علينا ان نستفيد
منها، وعلينا أيضا ان لا تدفعنا الأخطاء الماضية الى ان نأخذ موقفا متشنجا، انا مع
الدولة الوطنية لكن لا بد من هوية حقيقية تجمع، وفكرة الدولة الوطنية فكرة هامة
وناجحة إداريا وتنفع في تكوين فلسفة عمل، لكنها لن تنجح في تكوين هوية ثقافية
جامعة، ولن تنجح في تكوين مجال استراتيجي للدولة في وقت تبحث فيه الدول عما
يكاملها مع دول أخرى.
اعتقد ان هذه الرؤية
ينبغي أن يؤيدها كل من يقف مع مشروع الدولة بغض النظر عن انتمائه القومي او
الديني، او قناعاته الخاصة ما دام يؤمن بضرورة وجود دولة ناهضة.
0 تعليقات