عز الدين البغدادي
منذ كنت طفلا؛ لم
تؤثر بي شخصية نسائية في تاريخ الإسلام كما أثرت شخصية أم المؤمنين خديجة بنت
خويلد، ولم أحب امرأة كما أحببتها، ولم تعظم امرأة في عيني كما عظمت هذه المرأة.
هذه المرأة الفاضلة
الطاهرة الصابرة، المؤثرة بصمت، الواثقة من دينها ومن زوجها، تلك المرأة التي بذلت
أموالها واختارت الفقر وعاشت مع زوجها في الشعب تتضور من الجوع فلم يضعفها ذلك.
تلك المرأة التي وقفت
مع زوجها حينما نزل عليه الوحي، يومها قالت له: أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛
إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
كانت خديجة أول من
أسلم، وأول من صدق.. وكما كانت أم القاسم عظيمة بين الناس، فقد كانت كذلك عند
الله، حتى نزل جبرئيل يوما على النبي (ص) فقال له: يا رسول الله، هذه خديجة قد
أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من
ربّها عزّ وجل ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نَصَب.
في مثل هذا اليوم سنة
3 ق. هـ خيم الحزن على بيت النبوة، فقد ماتت خديجة فكان عام الأحزان الذي توفي فيه
ناصرا رسول الله: خديجة وأبو طالب.. توفيت ولها من العمر خمس وستون سنة، بعد أن
عاشت مع النبي (ص) أربعاً وعشرين سنة وستة أشهر، ودفنت بالحجون، بعد أن أنجبت له
ولدين: القاسم وعبدالله وأربع بنات صغراهن السيدة فاطمة الزهراء (ع).
ماتت خديجة، ولم يمت
حبها في قلب النبي (ص)، كان يوزع لحم الشاة فيبعث منها الى صديقات خديجة وفاء لها
وتوددا منه لأهل مودتها.
عن أنس بن مالك قال: كان
النبي (ص) إذا أُتي بالشيء يقول: اذهبوا به إلى فلانة، فإنها كانت صديقة خديجة،
اذهبوا به إلى بيت فلانة، فإنها كانت تحب خديجة.
وعندما استأذنت أختها
هالة بنت خويلد للدخول على رسول الله (ص)، عرف فيها استئذان خديجة فارتاع قلبه
لذلك، أي إنه فزع تأثرا لما سمع صوتها كأنه صوت خديجة، ونهض إليها.
ولأنه كان يكثر ذكرها
فقد انزعجت إحدى نسائه فقالت له: أنت تكثر من ذكر عجوز من عجائز قريش، هلكت وأبدلك
الله خيرا منها؟، فغضب النبي (ص) وتغير وجهه وقال لها: "والله ما أبدلني الله
خيرا منها، آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بما لها إذ
حرمني الناس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء".
رحم الله أمنا خديجة
ما كان أبرها‼ وما كان أصبرها‼ ولا حرمنا الله شفاعة أم فاطمة.
0 تعليقات