رياض محمد
منذ أسابيع وأنا ألاحظ
كم هائل من المقالات التي تتناول ما يسمى بالحوار الإستراتيجي مع الولايات المتحدة.
وبسبب كل هذا الضجيج
المتعلق بالموضوع سيخيل لمن لا يعرف أوضاع العراق التفصيلية ان العراق سيفاوض
الولايات المتحدة كما فاوض الاتحاد السوفيتي عندما كان الأخير يمتلك 30 ألف رأس
نووي وان الحوار سيكون مماثلا لقمم بريجينيف ونيكسون او ريغان وهم يقررون مصير
العالم.
العراق يا سادة هو أولا
دولة فاشلة ومفلسة لا تملك الموارد لسد رواتب موظفيها ناهيك عن سداد ديونها أو
كلفة تشغيل حكومتها أو تمويل مشاريعها. كما أنها لا تملك أن تجهز شعبها بالكهرباء
ولا لديها المال لتدفع ثمنه ولا الوقود لتشغل توربينات الكهرباء.
ثانيا: العراق دولة مخترقة السيادة فإيران تهيمن على
قراره السياسي والأمني وتركيا تحتل جزءا من أرضه وإسرائيل تقصف أهدافا داخله متى
ما تشاء.
وأيضا: فان حكومة وبرلمان العراق طلبت رسميا من
الولايات المتحدة سحب قواتها من أراضيه وقررت الحكومة الأمريكية علنا ان ترفض هذا
الانسحاب.
ثالثا: يعيش العراق أزمة سياسية مستمرة منذ 8 أشهر وسط
ثورة شعبية وانقسامات سياسية أدت لإسقاط حكومة وفشل حكومتين مكلفتين. كما أن حكومة
الكاظمي حكومة مؤقتة وليس لها ان تقرر مصير العلاقة العسكرية والأمنية مع الولايات
المتحدة.
رابعا: العراق الآن على شفا كارثة صحية شاملة ستقضي على
البقية الباقية من نظامه الصحي بعد ان انتشرت جائحة الكورونا وأصبحت أرقام الإصابات
تتجاوز الألف يوميا.
خامسا : استغل تنظيم
داعش انشغال الحكومة بالمظاهرات وبالجائحة وبمفاوضات اقتسام الغنائم بين لصوص
القرن الواحد والعشرين (وشحاذي القرن العشرين!) فعاد ليضرب هنا وهناك ويقتل ويحرق
ويدمر ويخلق أزمة جديدة للعراق في أمنه الذي ظننا انه استتب منذ سنوات.
سادسا: تنشغل إدارة ترامب الآن بقضايا أهم بكثير من
العراق و (الحوار) معه. فإمام الرئيس ترامب انتخابات رئاسية بعد 5 أشهر من الآن
وسط 3 أزمات كبرى هي جائحة الكورونا التي فتكت ب 110 ألف أمريكي والاقتصاد الذي
ادى غلقه الى بطالة 40 مليون أمريكي وأخيرا الاحتجاجات المتواصلة منذ أسبوعين ضد
وحشية الشرطة وضد إدارة ترامب أيضا.
وحتى لو كان ترامب
مهتما بالعراق - وهو غير مهتم - فمالذي نجنيه الآن من التفاوض الذي سيطول لأسابيع أو
أشهر ومصير ترامب نفسه مجهول؟ وكذلك مصير حكومة الكاظمي أيضا؟
الأمر كله لا يعدو أن
يكون ضحكا سمجا على العراقيين ليصدقوا أن حكومتهم - التي يمثلها أمام العالم وزير
خارجية لا يهمه العراق ولا مصلحة العراق - لها من الأهمية بمكان لتدخل (حوارا إستراتيجيا)
مع قوة عظمى.
أليس من الأفضل
للحكومة الآن أن تركز جهدها في احتواء الجائحة قبل فوات الأوان؟
أيها السادة
المسؤولين وجيوشهم الالكترونية من مثقفي السلطة: ارحموا أنفسكم وعقولكم وعقول
العراقيين من هراء (الحوار الإستراتيجي) واكذبوا كذبة أخرى يمكن تصديقها!
0 تعليقات