عبدالملك سام
مبروك .. بعد معاناة مريرة استطعت أن تحصل على "فيزا" وستعمل مع
أحد أقاربك ، تقوم بترتيب أمورك وتجهيز حقائب السفر ، تبيع قطعة الأرض وتصرف
المبلغ دولارات ، ثم تطير إلى الولايات ، أرض الأحلام والعم سام .. تصل بعد رحلة
مضنية إلى هناك ، وطابورك يتأخر بسبب الإجراءات الأمنية ، وأنت مضطرب وتمني نفسك
بالسعادة والثراء .. يأتي قريبك لاستقبالك فلا تعرفه في بداية الأمر بسبب "الكاسكت"
والجينز وكل تلك الطنافس التي تغطيه ، تصيح فيه مازحا : "كيفك يا يهودي"
، فيضع أصبعه على وجهه وهو يتلفت أن أسكت ! فتستغرب وتقول محرجا : "كأنك شاذ
يا وغد" ، فيسحبك من تلابيب ثيابك ويعلمك القاعدة الأولى : "أنت لست في
اليمن ، لا تسخر من اليهود والشواذ هنا" ! .. فتسكت وأنت مندهش من بلد الحرية
التي تقمعك منذ لحظة وصولك !!
مرت الأعوام عليك وأنت تعيش هناك ، تعمل وتوفر المال ، وقد أتيت بأسرتك .. قبل
شهور اضطررت أن تنفذ عملية إجلاء لأبنك الكبير الذي أعتاد تدخين "الماريجونا"
او الحشيش ، وطبعا هنا لا يمكنك أن تضغط عليه لتربيه كما في بلدك ، لذا فقد خططت
لما يجب فعله ، سوف تبعثه في إجازة لليمن ، وهناك أتفقت مع جده أن يسحب منه جواز
السفر ويبقيه في اليمن ، فمؤخرا أكتشفت أن لديه مسدس وعشيقة سمراء ، وأنت تخاف
عليه من الجريمة والإيدز ، كما أنك لم تستطيع أن تجعله يعمل او يصلي ، فالبيئة
تشجع الشباب على الانحلال ، والقانون لا يحمي الأباء الحريصين !
أبنتك صار عمرها 18 سنة ، وأنت محتار كيف ستفعل لتبعدها عن "جون"
زميلها في المدرسة ، وتشعر بقلة الحيلة وعدم التركيز في عملك بسبب أنشغالك بعائلتك
، وتحس بالندم لأنك لم تصدق "سعيد" أبن عمك الذي نصحك ألا تجلب عائلتك
من الوطن ، فأنت لم تعجبك حياة سعيد الذي تزوج زنجية ليحصل على الجنسية ، فهو مضطر
لأن يغض الطرف عن علاقاتها مع آخرين حتى تمر الفترة القانونية ، وقد دفع لها مبلغ 20
الف دولار ليحقق هدفه ، بينما أنت فضلت أن تبقى بدون جنسية وتجلب أم عيالك لتطمئن
بقربها منك .. لكن هذا ال"جون" لا يكف عن محاولات الأنفراد ببنتك
الساذجة ، أنت تعرف ماذا يريد ولكنك لا تجروء على الفتك به ، أنت في بلد "الحرية"
كما يقولون ، فماذا تفعل ؟!
أما أبنك الصغير فوضعه مأساوي كما يقول ، في المدرسة لا هو زنجي ولا أبيض ،
لذلك فالكل يتنمر عليه ، وغالبا يعود من المدرسة وقد نال علقة معتبرة من "مايكل"
او "ستيف" ، أو وبخته معلمة الصف بسبب عدم تركيزه ، ومؤخرا طلب منك خنجر
ليدافع به عن نفسه ! وعندما نصحته بألا يفعل أتهمك بالجبن .. حاولت أن تعوض عليه
ببعض المال والهدايا ولكن دون جدوى ، وكل يوم يعود لك وقد سلبه بعض الأشقياء ما
كان يحمله من مال ! فتسأل نفسك : "هل هذه مدرسة أم سجن ؟!" ..
بعد 12 عاما تجلس مع زوجتك لتتناقشا ، وتتخذ قرار العودة إلى بلدك ، ويسعدك
أن زوجتك أفصحت عن سعادتها بهذا القرار لأنها أشتاقت لبلدها وأهلها الطيبين ،
وتقرر ان تصفي جميع اعمالك .. تبيع كل شيء وتتجهز للعودة وسط تذمر أبنتك وترحيب
أبنك الصغير ، وتعود محملا بالأمل كما جئت به قبل سنوات إلى أرض الأحلام ، لا يهم
أن تكتشف ان أبنتك قد فقدت عذريتها ، أو ما يحمله أبنك الصغير من عقد نفسية ، او
طباع أبنك الكبير الذي أصبح مجرما عتيدا ، المهم أن تعود لتصلح ما أفسدته امريكا
وعنصرية وثقافة أمريكا ! ستبني عمارة بما جمعته لتعيش من إيجارها ، ولا يهم ايضا
إن كان سعر الأرض الذي بعتها قبل قدومك قد أرتفع لدرجة أنها كانت تكفي لتبدأ
مشروعا او تبني عمارة .. المهم أن تعود ، والأهم أن تنسى كل ما عانيته هناك .. تعود
لأرض الأحلام الخاصة بك ، بلدك ، وبين أهلك الطيبين ..
0 تعليقات